حُصُولِ الْجَوَابِ مُتَوَقِّفًا عَلَى حُصُولِ الشَّرْطِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ مَا هُوَ إِلَّا خَبَرٌ مِنَ الْأَخْبَارِ، إِذْ حَاصِلُهُ الْإِخْبَارُ بِتَوَقُّفِ حُصُولِ الْجَزَاءِ عَلَى حُصُولِ الشَّرْطِ فَلَا جَرَمَ كَانَ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ قَابِلًا لِلتَّوْكِيدِ وَقَلَّمَا خَلَا فِعْلُ الشَّرْطِ مَعَ إِمَّا عَنْ نُونِ التَّوْكِيدِ كَقَوْلِ الْأَعْشَى:
إِمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً نِعَالَ لَنَا ... إِنَّا كَذَلِكَ مَا نَحْفَى وَنَنْتَعِلُ
وَهُوَ غَيْرُ حَسَنٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَالْفَارِسِيِّ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ هُوَ مَمْنُوعٌ فَجَعَلَا خُلُوَّ الْفِعْلِ عَنْهُ ضَرُورَةً.
وَقَوْلُهُ: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ مَنْ شَرْطِيَّةٌ بِدَلِيلِ دُخُولِ الْفَاءِ فِي جَوَابِهَا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْفَاءَ وَإِنْ دَخَلَتْ فِي خَبَرِ الْمَوْصُولِ كَثِيرًا فَذَلِكَ عَلَى مُعَامَلَتِهِ مُعَامَلَةَ الشَّرْطِ فَلْتُحْمَلْ هُنَا عَلَى الشُّرْطِيَّةِ اخْتِصَارًا لِلْمَسَافَةِ.
وَأُظْهِرَ لَفْظَ الْهُدَى فِي قَوْلِهِ: هُدايَ وَهُوَ عَيْنُ الْهُدَى فِي قَوْلِهِ: مِنِّي هُدىً فَكَانَ الْمَقَامُ لِلضَّمِيرِ الرَّابِطِ لِلشَّرْطِيَّةِ الثَّانِيَةِ بِالْأَوْلَى لَكِنَّهُ أُظْهِرَ اهْتِمَامًا بِالْهُدَى لِيَزِيدَ رُسُوخًا فِي أَذْهَانِ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى حَدِّ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: ١٥، ١٦] وَلِتَكُونَ هَاتِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا لَا تَشْتَمِلُ عَلَى عَائِدٍ يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ مُعَادٍ حَتَّى يَتَأَتَّى تَسْيِيرُهَا مَسِيرَ الْمَثَلِ أَوِ النَّصِيحَةِ فَتُلْحَظُ فَتُحْفَظُ وَتَتَذَكَّرُهَا النُّفُوسُ لِتُهَذَّبَ وَتَرْتَاضَ كَمَا أَظْهَرَ فِي قَوْلِهِ: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [الْإِسْرَاء: ٨١] لِتَسِيرَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ مَسِيرَ الْمَثَلِ وَمِنْهُ قَوْلُ بَشَّارٍ:
إِذَا بَلَّغَ الرَّأْيُ الْمَشُورَةَ فَاسْتَعِنْ ... بِرَأْيِ نَصِيحٍ أَوْ نَصِيحَةِ حَازِمِ
وَلَا تَجْعَلِ الشُّورَى عَلَيْكَ غَضَاضَةً ... مَكَانُ الْخَوَافِي قُوَّةٌ لِلْقَوَادِمِ
وَأَدْنِ إِلَى الشُّورَى الْمُسَدَّدَ رَأْيُهُ ... وَلَا تُشْهِدِ الشُّورَى امْرَأً غَيْرَ كَاتِمِ
فَكَرَّرَ الشُّورَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي الْبَيْتَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لِيَكُونَ كُلُّ نِصْفٍ سَائِرًا مَسِيرَ الْمَثَلِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ تَعْرِيفِ الْهُدَى الثَّانِي بِالْإِضَافَةِ لِضَمِيرِ الْجَلَالَةِ دُونَ أَلْ مَعَ أَنَّهَا الْأَصْلُ فِي وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الضَّمِير الْوَاقِع معاد لِئَلَّا يَفُوتَ هَاتِهِ الْجُمْلَةَ الْمُسْتَقِلَّةَ شَيْءٌ تَضَمَّنَتْهُ الْجُمْلَةُ الْأُولَى إِذِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى تَضَمَّنَتْ وَصْفَ الْهُدَى بِأَنَّهُ آتٍ مِنَ اللَّهِ وَالْإِضَافَةُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ تُفِيدُ هَذَا الْمُفَادَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute