للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُبْصِرَةً [سُورَة الْإِسْرَاء:

١٢] . وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى تَغْيِيرِ الْأَحْوَالِ وَتَبْدِيلِ الْمَعَانِي كَالْأَخْبَارِ وَالتَّكَالِيفِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَإِنَّ لَهَا نَسَبًا وَمَفَاهِيمَ إِذَا صَادَفَتْ مَا فِي الْوَاقِعِ كَانَتْ مُطَابَقَتُهَا إِثْبَاتًا لَهَا وَإِذَا لَمْ تَطَابِقْهُ كَانَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهَا مَحْوًا لِأَنَّهُ إِزَالَة لمدلولاتها.

والتثبت: حَقِيقَتُهُ جَعْلُ الشَّيْءِ ثَابِتًا قَارًّا فِي مَكَانٍ، قَالَ تَعَالَى: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [سُورَة الْأَنْفَال: ٤٥] . وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى أَضْدَادِ مَعَانِي الْمَحْوِ الْمَذْكُورَةِ. فَيَنْدَرِجُ فِي مَا تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ عِدَّةُ مَعَانٍ: مِنْهَا أَنَّهُ يُعْدِمُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَيُبْقِي مَا يَشَاءُ مِنْهَا، وَيَعْفُو عَمَّا يَشَاءُ مِنَ الْوَعِيدِ وَيُقْرِرُ، وَيَنْسَخُ مَا يَشَاءُ مِنَ التَّكَالِيفِ وَيُبْقِي مَا يَشَاءُ.

وَكُلُّ ذَلِكَ مَظَاهِرٌ لِتَصَرُّفِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَإِذْ قَدْ كَانَتْ تَعَلُّقَاتُ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ جَارِيَةً عَلَى وَفْقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ مَا فِي عِلْمِهِ لَا يَتَغَيَّرُ فَإِنَّهُ إِذَا أَوْجَدَ شَيْئًا كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ سَيُوجِدُهُ، وَإِذَا أَزَالَ شَيْئًا كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ سَيُزِيلُهُ وَعَالِمًا بِوَقْتِ ذَلِكَ.

وَأُبْهِمُ الْمَمْحُوُّ وَالْمُثَبَّتُ بِقَوْلِهِ: مَا يَشاءُ لِتَتَوَجَّهَ الْأَفْهَامُ إِلَى تَعَرُّفِ ذَلِكَ وَالتَّدَبُّرِ فِيهِ لِأَن تَحت ذَا الْمَوْصُولِ صُوَرًا لَا تُحْصَى، وَأَسْبَابُ الْمَشِيئَةِ لَا تُحْصَى.

وَمِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَحْوَ الْوَعِيدِ أَنْ يُلْهِمَ الْمُذْنِبِينَ التَّوْبَةَ وَالْإِقْلَاعَ وَيَخْلُقَ فِي قُلُوبِهِمْ دَاعِيَةَ الِامْتِثَالِ. وَمِنْ مَشِيئَةِ التَّثْبِيتِ أَنْ يَصْرِفَ قُلُوبَ قَوْمٍ عَنِ النَّظَرِ فِي تَدَارُكِ أُمُورِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْعَكْسِ مِنْ تَثْبِيتِ الْخَيْرِ وَمَحْوِهِ.

وَمِنْ آثَارِ الْمَحْوِ تَغَيُّرُ إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأَشْخَاصِ، فَبَيْنَمَا تَرَى الْمُحَارِبَ مَبْحُوثًا عَنْهُ مَطْلُوبًا لِلْأَخْذِ فَإِذَا جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ قُبِلَ رُجُوعُهُ وَرُفِعَ عَنْهُ ذَلِكَ الطَّلَبُ، وَكَذَلِكَ إِجْرَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا آمَنُوا وَدَخَلُوا تَحْتَ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ.

وَكَذَلِكَ الشَّأْنُ فِي ظُهُورِ آثَارِ رِضَى اللَّهِ أَوْ غَضَبِهِ عَلَى الْعَبْدِ فَبَيْنَمَا تَرَى