أَحَدًا مَغْضُوبًا عَلَيْهِ مَضْرُوبًا عَلَيْهِ الْمَذَلَّةُ لِانْغِمَاسِهِ فِي الْمَعَاصِي إِذَا بِكَ تَرَاهُ قَدْ أَقْلَعَ وَتَابَ فَأَعَزَّهُ اللَّهُ وَنَصَرَهُ.
وَمِنْ آثَارِ ذَلِكَ أَيْضًا تَقْلِيبُ الْقُلُوبِ بِأَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ الْبَغْضَاءَ مَحَبَّةً، كَمَا قَالَتْ هِنْدُ بنت عتبَة للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَتْ: «مَا كَانَ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يُذِلِّوُا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ وَالْيَوْمَ أَصْبَحْتُ وَمَا أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يُعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ» .
وَقَدْ مَحَا اللَّهُ وَعِيدَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَرَفَعَ عَنْهُمُ السَّيْفَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا مُسْلِمِينَ، وَلَوْ شَاءَ لَأَمَرَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْتِئْصَالِهِمْ حِينَ دُخُولِهِ مَكَّةَ فَاتِحًا.
وَبِهَذَا يَتَحَصَّلُ أَنَّ لَفْظَ مَا يَشاءُ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ مَا يَشَاؤُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ مُجْمَلٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ بِالْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ، وَذَلِكَ لَا تَصِلُ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ إِلَى بَيَانِهِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي الْأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ مَا يُبَيِّنُهُ إِلَّا الْقَلِيلُ عَلَى تَفَاوُتٍ فِي صِحَّةِ أَسَانِيدِهِ. وَمِنَ الصَّحِيحِ فِيمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ
قَوْلُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا»
. وَالَّذِي يَلُوحُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَا يَقْبَلُ مَحْوًا، فَهُوَ ثَابِتٌ وَهُوَ قَسِيمٌ لِمَا يَشَاءُ اللَّهُ مَحْوَهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ هُوَ عَيْنُ مَا يَشَاءُ اللَّهُ مَحْوَهُ أَوْ إِثْبَاتَهُ سَوَاءً كَانَ تَعْيِينًا بِالْأَشْخَاصِ أَوْ بِالذَّوَاتِ أَوْ بِالْأَنْوَاعِ وَسَوَاءً كَانَتِ الْأَنْوَاعُ مِنَ الذَّوَاتِ أَوْ مِنَ الْأَفْعَالِ، وَأَنَّ جُمْلَةَ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ أَفَادَتْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute