للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمْرِهِمْ، فَكَانَ تَعْقِيبُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِلِاحْتِرَاسِ مِنْ أَنْ يَتَوَهَّمُوا أَنَّ الْعِقَابَ بَطِيءٌ وَغَيْرُ وَاقِعٍ بِهِمْ. وَهِيَ أَيْضًا بِشَارَةٌ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَّنَ اللَّهَ مُظْهِرُ نَصْرِهِ فِي حَيَاتِهِ وَقَدْ جَاءَتْ أَشْرَاطُهُ، فَهِيَ أَيْضًا احْتِرَاسٌ مِنْ أَنْ يَيْأَسَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رُؤْيَةِ نَصْرِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ مُتِمٌّ نُورَهُ بِهَذَا الدِّينِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا إِنْكَارِيٌّ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْمُكَذِّبِينَ الْعَائِدُ إِلَيْهِمْ

ضَمِيرُ نَعِدُهُمْ. وَالْكَلَامُ تَهْدِيدٌ لَهُمْ بِإِيقَاظِهِمْ إِلَى مَا دَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَشْبَاحِ الِاضْمِحْلَالِ بِإِنْقَاصِ الْأَرْضِ، أَيْ سُكَّانِهَا.

وَالرُّؤْيَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَصَرِيَّةً. وَالْمُرَادُ: رُؤْيَةُ آثَارِ ذَلِكَ النَّقْصِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِلْمِيَّةً، أَي ألم يعملوا مَا حَلَّ بِأَرْضِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ مِنْ نَقْصِ.

وَتَعْرِيفُ الْأَرْضَ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، أَيْ نَأْتِي أَيَّةَ أَرْضٍ مِنْ أَرْضِي الْأُمَمِ. وَأُطْلِقَتِ الْأَرْضُ هُنَا عَلَى أَهْلِهَا مَجَازًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [سُورَة يُوسُف: ٨٢] بِقَرِينَةِ تَعَلُّقِ النَّقْصِ بِهَا، لِأَنَّ النَّقْصَ لَا يَكُونُ فِي ذَاتِ الْأَرْضِ وَلَا يُرَى نَقْصٌ فِيهَا وَلَكِنَّهُ يَقَعُ فَيِمَنْ عَلَيْهَا. وَهَذَا من بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها [سُورَة مُحَمَّد: ١٠] .

وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَن المُرَاد ب الْأَرْضَ أَرْضُ الْكَافِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، وَتَكُونُ الرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةً، وَيَكُونُ ذَلِكَ إيقاظا لَهُم لما غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَخَرَجَتْ مِنْ سُلْطَانِهِ فَتَنْقُصُ الْأَرْضُ الَّتِي كَانَتْ فِي تَصَرُّفِهِمْ وَتَزِيدُ الْأَرْضُ الْخَاضِعَةُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ الَّذِي حَمَلَ فَرِيقًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ سُورَةَ الرَّعْدِ مَدَنِيَّةٌ فَإِذَا اعْتُبِرَتْ مَدَنِيَّةً صَحَّ أَنْ تُفَسَّرَ الْأَطْرَافُ بِطَرَفَيْنِ وَهَمَا مَكَّةُ