وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ شَيْءٍ مَزِيدَةٌ لِوُقُوعِ مَدْخُولِهَا فِي سِيَاقِ الِاسْتِفْهَامِ بِحَرْفِ هَلْ. وشَيْءٍ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَحَقُّهُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ فَوَقَعَ جَرُّهُ بِحَرْفِ الْجَرِّ الزَّائِدِ. وَالْمَعْنَى: هَلْ تُغْنُونَ عَنَّا شَيْئًا.
وَجَوَابُ الْمُسْتَكْبِرِينَ اعْتِذَارٌ عَنْ تَغْرِيرِهِمْ بِأَنَّهُمْ مَا قَصَدُوا بِهِ تَوْرِيطَ أَتْبَاعِهِمْ كَيْفَ وَقَدْ وَرَّطُوا أَنْفُسَهُمْ أَيْضًا، أَيْ لَوْ كُنَّا نَافِعِينَ لَنَفَعْنَا أَنْفُسَنَا. وَهَذَا الْجَوَابُ جَارٍ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ التَّوْبِيخِيِّ الْعِتَابِيِّ إِذْ لَمْ يُجِيبُوهُمْ بِأَنَّا لَا نَمْلِكُ لَكُمْ غناء وَلَكِن ابتدأوا بِالِاعْتِذَارِ عَمَّا صَدَرَ مِنْهُمْ نَحْوَهُمْ فِي الدُّنْيَا عِلْمًا بِأَنَّ الضُّعَفَاءَ عَالِمُونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ لَهُمْ غَنَاءً مِنَ الْعَذَابِ.
وَجُمْلَةُ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مِنْ كَلَامِ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا. وَهِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ تَبْيِينٌ عَنْ سُؤَالٍ مِنَ الضُّعَفَاءِ يَسْتَفْتُونَ الْمُسْتَكْبِرِينَ أَيَصْبِرُونَ أَمْ يَجْزِعُونَ تَطَلُّبًا لِلْخَلَاصِ مِنَ الْعَذَابِ، فَأَرَادُوا تَأْيِيسَهُمْ مِنْ ذَلِكَ يَقُولُونَ: لَا يُفِيدُنَا جَزَعٌ وَلَا صَبْرٌ، فَلَا نَجَاةَ مِنَ الْعَذَابِ. فَضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارِكُ شَامِلٌ لِلْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُجَابِينَ، جَمَعُوا أَنْفُسَهُمْ إِتْمَامًا لِلِاعْتِذَارِ عَنْ تَوْرِيطِهِمْ.
وَالْجَزَعُ: حُزْنٌ مَشُوبٌ بِاضْطِرَابٍ، وَالصَّبْرُ تَقَدَّمَ.
وَجُمْلَةُ مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ، أَيْ حَيْثُ لَا مَحِيصَ وَلَا نَجَاةَ فَسَوَاءٌ الْجَزَعُ وَالصَّبْرُ.
وَالْمَحِيصُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ كَالْمَغِيبِ وَالْمَشِيبِ وَهُوَ النَّجَاةُ. يُقَال: حَاصَ عَنْهُ، أَيْ نَجَا مِنْهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مَكَانٍ مِنْ حَاصَ أَيْضًا، أَيْ مَا لَنَا مَلْجَأٌ وَمَكَانٌ ننجو فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute