ذُكِرَتْ حَالَةُ وَفَاتِهِمُ الَّتِي هِيَ بَيْنَ حَالَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهِيَ حَالٌ تَعْرِضُ لِجَمِيعِهِمْ سَوَاءٌ مِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَهُ الِاسْتِئْصَالُ وَمَنْ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَأَطْبَقَ مَنْ تَصَدَّى لِرَبْطِهِ بِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، عَلَى جَعْلِ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ بَدَلًا مِنَ الْكافِرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ [سُورَة النَّحْل: ٢٧] ، أَوْ صِفَةً لَهُ. وَسَكَتَ عَنْهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» (وَهُوَ سُكُوتٌ مِنْ ذَهَبٍ) . وَقَالَ الْخَفَاجِيُّ: «وَهُوَ يَصِحُّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَقُولًا لِلْقَوْلِ وَغَيْرَ مُنْدَرِجٍ تَحْتَهُ» . وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ مُرْتَفِعًا بِالِابْتِدَاءِ مُنْقَطِعًا مِمَّا قَبْلَهُ وَخَبَرُهُ فِي قَوْلِهِ: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ [سُورَة النَّحْل: ٢٨] اه.
وَاقْتِرَانُ الْفِعْلِ بِتَاءِ الْمُضَارَعَةِ الَّتِي لِلْمُؤَنَّثِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِاعْتِبَارِ إِسْنَادِهِ إِلَى الْجَمَاعَةِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَخَلَفٌ يَتَوَفَّاهُمْ بِالتَّحْتِيَّةِ عَلَى الْأَصْلِ.
وَظُلْمُ النَّفْسِ: الشِّرْكُ.
وَالْإِلْقَاءُ: مُسْتَعَارٌ إِلَى الْإِظْهَارِ الْمُقْتَرِنِ بِمَذَلَّةٍ. شُبِّهَ بِإِلْقَاءِ السِّلَاحِ عَلَى الْأَرْضِ، ذَلِكَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا اسْتِكْبَارَهُمْ وَإِنْكَارَهُمْ وَأَسْرَعُوا إِلَى الِاعْتِرَاف ولخضوع لَمَّا ذَاقُوا عَذَابَ انْتِزَاعِ أَرْوَاحِهِمْ.
وَالسَّلَمُ- بِفَتْحِ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ- الِاسْتِسْلَامُ. وَتَقَدَّمَ الْإِلْقَاءُ وَالسَّلَمُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٩٠] . وَتَقَدَّمَ الْإِلْقَاءُ الْحَقِيقِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ [١٥] .
وَوَصْفُهُمْ بِ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ يَرْمِي إِلَى أَنَّ تَوَفِّيَ الْمَلَائِكَةِ إِيَّاهُمْ مُلَابِسٌ لِغِلْظَةٍ وَتَعْذِيبٍ، قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ [سُورَة الْأَنْفَال: ٥٠] .
وَجُمْلَةُ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ دلّ عَلَيْهِ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ، لِأَنَّ إِلْقَاءَ السَّلَمِ أَوَّلُ مَظَاهِرِهِ الْقَوْلُ الدَّالُّ عَلَى الْخُضُوعِ. يَقُولُونَ ذَلِكَ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَنْتَزِعُونَ أَرْوَاحَهُمْ لِيَكُفُّوا عَنْهُمْ تَعْذِيبَ الِانْتِزَاعِ، وَهُمْ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute