وَ (أَن) تَفْسِيرِيَّةٌ، وَهِيَ تَرْشِيحٌ لِلِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ، لِأَنَّ أَنِ التَّفْسِيرِيَّةَ مِنْ رَوَادِفِ الْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ.
وَاتِّخَاذُ الْبُيُوتِ هُوَ أَوَّلُ مَرَاتِبِ الصُّنْعِ الدَّقِيقِ الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهُ فِي طَبَائِعِ النَّحْلِ فَإِنَّهَا تَبْنِي بُيُوتًا بِنِظَامٍ دَقِيقٍ، ثُمَّ تُقَسِّمُ أَجْزَاءَهَا أَقْسَامًا مُتَسَاوِيَةً بِأَشْكَالٍ مُسَدَّسَةِ الْأَضْلَاعِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهَا فَرَاغٌ تَنْسَابُ مِنْهُ الْحَشَرَاتُ، لِأَنَّ خَصَائِصَ الْأَشْكَالِ الْمُسَدَّسَةِ إِذَا ضُمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ أَنْ تَتَّصِلَ فَتَصِيرُ كَقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا عَدَاهَا مِنَ الْأَشْكَالِ مِنَ الْمُثَلَّثِ إِلَى الْمُعَشَّرِ إِذَا جُمِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا إِلَى أَمْثَالِهِ لَمْ تَتَّصِلْ وَحَصَلَتْ بَيْنَهَا فُرَجٌ، ثُمَّ تَغُشِّي عَلَى سُطُوحِ الْمُسَدَّسَاتِ بِمَادَّةِ الشَّمْعِ، وَهُوَ مَادَّةٌ دُهْنِيَّةٌ مُتَمَيِّعَةٌ أَقْرَبُ إِلَى الْجُمُودِ، تَتَكَوَّنُ فِي كِيسٍ دَقِيقٍ جدا تَحت حَلقَة بَطْنِ النَّحْلَةِ الْعَامِلَةِ فَتَرْفَعُهُ النَّحْلَةُ بِأَرْجُلِهَا إِلَى فَمِهَا وَتَمْضُغُهُ وَتَضَعُ بَعْضَهُ لَصْقَ بَعْضٍ لِبِنَاءِ الْمُسَدَّسِ الْمُسَمَّى بِالشَّهْدِ لِتَمْنَعَ تَسَرُّبَ الْعَسَلِ مِنْهَا.
وَلَمَّا كَانَتْ بُيُوتُ النَّحْلِ مَعْرُوفَةٌ لِلْمُخَاطَبِينَ اكْتُفِيَ فِي الِاعْتِبَارِ بِهَا بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا وَالتَّذْكِيرِ بِهَا.
وَأُشِيرَ إِلَى أَنَّهَا تُتَّخَذُ فِي أَحْسَنِ الْبِقَاعِ مِنَ الْجِبَالِ أَوِ الشَّجَرِ أَوِ الْعَرْشِ دُونَ بُيُوتِ الْحَشَرَاتِ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ لِشَرَفِهَا بِمَا تَحْتَوِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَبِمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ دَقَائِقِ الصَّنْعَةِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي ضِدِّهَا: وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ [سُورَة الْعَنْكَبُوتِ: ٤١] .
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْجِبَالِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦٠] .
ومِنَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْجِبالِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا بِمَعْنَى (فِي) ، وَأَصْلُهَا مِنَ الِابْتِدَائِيَّةُ، فَالتَّعْبِيرُ بِهَا دُونَ (فِي) الظَّرْفِيَّةِ لِأَنَّ النَّحْلَ تَبْنِي لِنَفْسِهَا بُيُوتًا وَلَا تَجْعَلُ بُيُوتَهَا جُحُورَ الْجِبَالِ وَلَا أَغْصَانَ الشَّجَرِ وَلَا أَعْوَادَ الْعَرِيشِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute