بُطُونِها شَرابٌ بَيَانًا لِمَا سَأَلَ عَنْهُ. وَهُوَ أَيْضًا مَوْضِعُ الْمِنَّةِ كَمَا كَانَ تَمَامَ الْعِبْرَةِ.
وَجِيءَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَجَدُّدِ الْخُرُوجِ وَتَكَرُّرِهِ.
وَعَبَّرَ عَنِ الْعَسَلِ بِاسْمِ الشَّرَابِ دُونَ الْعَسَل لما يومىء إِلَيْهِ اسْمُ الْجِنْسِ مِنْ مَعْنَى الِانْتِفَاعِ بِهِ وَهُوَ مَحَلُّ الْمِنَّةِ، وَلِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ جُمْلَةَ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ. وَسُمِّيَ شَرَابًا لِأَنَّهُ مَائِعٌ يُشْرَبُ شُرْبًا وَلَا يُمْضَغُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الشَّرَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ فِي أَوَائِلِ هَذِه السُّورَة [النَّحْل: ١٠] .
وَوَصْفُهُ بِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ لِأَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِي الْعِبْرَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ [سُورَة الرَّعْد: ٤] ، فَذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَدَقِيقِ الْحِكْمَةِ.
وَفِي الْعَسَلِ خَوَاصٌّ كَثِيرَةُ الْمَنَافِعِ مُبَيَّنَةٌ فِي عِلْمِ الطِّبِّ.
وَجُعِلَ الشِّفَاءُ مَظْرُوفًا فِي الْعَسَلِ عَلَى وَجْهِ الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ. وَهِيَ الْمُلَابَسَةُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَمَكُّنِ مُلَابَسَةِ الشِّفَاءِ إِيَّاهُ، وَإِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَطَّرِدَ الشِّفَاءُ بِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْأَمْزِجَةِ، أَوْ قَدْ تَعْرِضُ لِلْأَمْزِجَةِ عَوَارِضُ تَصِيرُ غَيْرَ مُلَائِمٍ لَهَا شُرْبُ الْعَسَلِ.
فَالظَّرْفِيَّةُ تَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَخَلُّفِ الْمَظْرُوفِ عَنْ بَعْضِ أَجْزَاءِ الظَّرْفِ، لِأَنَّ الظَّرْفَ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنَ الْمَظْرُوفِ غَالِبًا. شَبَّهَ تَخَلُّفَ الْمُقَارَنَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِقِلَّةِ كَمِّيَّةِ الْمَظْرُوفِ عَنْ سِعَةِ الظَّرْفِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ الظُّرُوفِ وَمَظْرُوفَاتِهَا، وَبِذَلِكَ يَبْقَى تَعْرِيفُ «النَّاسِ» عَلَى عُمُومِهِ، وَإِنَّمَا التَّخَلُّفُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ، وَلَوْلَا الْعَارِضُ لَكَانَتِ الْأَمْزِجَةُ كُلُّهَا صَالِحَةٌ لِلِاسْتِشْفَاءِ بِالْعَسَلِ.
وَتَنْكِيرُ شِفاءٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَلَا يَقْتَضِي أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، كَمَا أَنَّ مُفَادَ (فِي) مِنَ الظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ لَا يَقْتَضِي عُمُومَ الْأَحْوَالِ.
وَعُمُومُ التَّعْرِيفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِلنَّاسِ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ الشُّمُولِيَّ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ بَلْ لَفْظُ (النَّاسِ) عُمُومُهُ بَدَلِيٌّ. وَالشِّفَاءُ ثَابِتٌ لِلْعَسَلِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute