أَفْرَادِ النَّاسِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَاجَاتِ الْأَمْزِجَةِ إِلَى الِاسْتِشْفَاءِ. وَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ مَحْمَلُ مَا
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتُطْلِقَ بَطْنُهُ، فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلًا. فَذَهَبَ فَسَقَاهُ عَسَلًا. ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَمَا زَادَهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا قَالَ: اذْهَبْ فَاسْقِهِ عَسَلًا، فَذَهَبَ فَسَقَاهُ عَسَلًا ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا زَادَهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ فَذَهَبَ فَسَقَاهُ عسلا فبرىء»
. إِذِ الْمَعْنَى أَنَّ الشِّفَاءَ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِوُجُودِهِ فِي الْعَسَلِ ثَابِتٌ، وَأَنَّ مِزَاجَ أَخِي السَّائِلِ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مُعَارِضُ ذَلِكَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَمْرُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ أَنْ يَسْقِيَهُ الْعَسَلَ، فَإِنَّ خَبَرَهُ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْعَسَلَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بَاقٍ عَلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الشِّفَاءِ.
وَمِنْ لَطِيفِ النَّوَادِرِ مَا فِي «الْكَشَّافِ» : أَنَّ مِنْ تَأْوِيلَاتِ الرَّوَافِضِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّحْلِ فِي الْآيَةِ عَلِيٌّ وَآلِهِ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الْمَهْدِيِّ: إِنَّمَا النَّحْلُ بَنُو هَاشِمٍ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهِمُ الْعِلْمُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: جَعَلَ اللَّهُ طَعَامك وشرابك مِمَّا يخرج من بطُون بني هَاشم، فَضَحِك الْمهْدي وحدّث بِهِ الْمَنْصُور فاتّخذوه أُضْحُوكَةً مِنْ أَضَاحِيكِهِمْ.
قُلْتُ: الرَّجُلُ الَّذِي أَجَابَ الرَّافِضِيَّ هُوَ بَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ. وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مَذْكُورَةٌ فِي أَخْبَارِ بِشَّارٍ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ مِثْلُ الْجُمْلَتَيْنِ الْمُمَاثِلَتَيْنِ لَهَا. وَهُوَ تَكْرِيرٌ لِتَعْدَادِ الِاسْتِدْلَالِ، وَاخْتِيرَ وَصْفُ التَّفَكُّرِ هُنَا لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِتَفْصِيلِ مَا أَجْمَلَتْهُ الْآيَةُ فِي نِظَامِ النَّحْلِ مُحْتَاجٌ إِلَى إِعْمَالِ فِكْرٍ دَقِيقٍ، وَنظر عميق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute