وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى تَقْوِيمِ نِظَامِ الْعَائِلَةِ وَالْقَبِيلَةِ تَهْيِئَةً بِنُفُوسِ النَّاسِ إِلَى أَحْكَامِ الْمَوَارِيثِ الَّتِي شُرِعَتْ فِيمَا بَعْدُ.
وَعَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِهِ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ، فَإِيتَاءُ ذِي الْقُرْبَى ذُو حُكْمَيْنِ:
وُجُوبٌ لِبَعْضِهِ، وَفَضِيلَةٌ لِبَعْضِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ فَرْضِ الْمَوَارِيثِ.
وَذُو الْقُرْبَى: هُوَ صَاحِبُ الْقَرَابَةِ، أَيْ مِنَ الْمُؤْتِي. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى
فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [١٥٢] .
وَالْإِيتَاءُ الْإِعْطَاءُ. وَالْمُرَادُ إِعْطَاءُ الْمَالِ، قَالَ تَعَالَى: قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ [سُورَة النَّمْل: ٧٦] ، وَقَالَ: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ [سُورَة الْبَقَرَة:
١٧٧] .
وَنَهَى اللَّهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ وَهِيَ أُصُولُ الْمَفَاسِدِ.
فَأَمَّا الْفَحْشَاءُ: فَاسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ عَمَلٍ أَوْ قَوْلٍ تَسْتَفْظِعُهُ النُّفُوسُ لِفَسَادِهِ مِنَ الْآثَامِ الَّتِي تُفْسِدُ نَفْسَ الْمَرْءِ: مِنِ اعْتِقَادٍ بَاطِلٍ أَوْ عَمَلٍ مُفْسِدٍ لِلْخَلْقِ، وَالَّتِي تَضُرُّ بِأَفْرَادِ النَّاسِ بِحَيْثُ تُلْقِي فِيهِمُ الْفَسَادَ مِنْ قَتْلٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ غَصْبِ مَالٍ، أَوْ تَضُرُّ بِحَالِ الْمُجْتَمَعِ وَتُدْخِلُ عَلَيْهِ الِاضْطِرَابَ مِنْ حرابة أَو زنا أَوْ تَقَامُرٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ. فَدَخَلَ فِي الْفَحْشَاءِ كُلُّ مَا يُوجِبُ اخْتِلَالَ الْمُنَاسِبِ الضَّرُورِيِّ، وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ الْفَوَاحِشَ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْفَحْشَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٩] ، وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣٣] وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.
وَأَمَّا الْمُنْكَرُ فَهُوَ مَا تَسْتَنْكِرُهُ النُّفُوسُ الْمُعْتَدِلَةُ وَتَكْرَهُهُ الشَّرِيعَةُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ، قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً [سُورَة المجادلة: ٢] ، وَقَالَ: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [سُورَة العنكبوت: ٢٩] . وَالِاسْتِنْكَارُ مَرَاتِبٌ، مِنْهَا مَرْتَبَةُ الْحَرَامِ، وَمِنْهَا مَرْتَبَةُ الْمَكْرُوهِ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَشَمِلَ الْمُنْكِرُ كُلَّ مَا يُفْضِي إِلَى الْإِخْلَالِ بِالْمُنَاسِبِ الْحَاجِيِّ، وَكَذَلِكَ مَا يُعَطِّلُ الْمُنَاسِبَ التَّحْسِينِيَّ بِدُونِ مَا يُفْضِي مِنْهُ إِلَى ضُرٍّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute