للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ أُمَّةً وَحْدَهُ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِ بِعْثَتِهِ، مُوَحِّدٌ لِلَّهِ غَيْرُهُ.

فَهُوَ الَّذِي أَحْيَا اللَّهُ بِهِ التَّوْحِيدَ، وَبَثَّهُ فِي الْأُمَمِ وَالْأَقْطَارِ، وَبَنَى لَهُ مَعْلَمًا عَظِيمًا، وَهُوَ الْكَعْبَةُ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى حَجِّهِ لِإِشَاعَةِ ذِكْرِهِ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَلَمْ يَزَلْ بَاقِيًا عَلَى الْعُصُورِ. وَهَذَا

كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَطَرِ بْنِ مَالِكٍ الْكَاهِنِ: «وَأَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ» ، رَوَاهُ السُّهَيْلِيُّ فِي «الرَّوْضِ الْأُنُفِ»

. وَرَأَيْتُ رِوَايَةً أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ.

وَالْقَانِتُ: الْمُطِيعُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٣٨] .

وَاللَّامُ لَامُ التَّقْوِيَةِ لِأَنَّ الْعَامِلَ فَرْعٌ فِي الْعَمَلِ.

وَالْحَنِيفُ: الْمُجَانِبُ لِلْبَاطِلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٣٥] ، وَالْأَسْمَاءُ الثَّلَاثَةِ أَخْبَارُ كانَ وَهِيَ فَضَائِلُ.

وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اعْتِرَاضٌ لِإِبْطَالِ مَزَاعِمِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُوَ دِينُ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-. وَقَدْ صَوَّرُوا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- يَسْتَقْسِمَانِ بِالْأَزْلَامِ وَوَضَعُوا الصُّورَةَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ:

وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَسُوقًا مَسَاقَ الثَّنَاءِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَلَكِنَّهُ تَنْزِيهٌ لَهُ عَمَّا اخْتَلَقَهُ عَلَيْهِ الْمُبْطِلُونَ. فَوِزَانُهُ وِزَانُ قَوْلِهِ: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [سُورَة التكوير: ٢٢] . وَهُوَ

كَالتَّأْكِيدِ لِوَصْفِ الْحَنِيفِ بِنَفْيِ ضِدِّهِ مِثْلُ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [سُورَة طه:

٧٩] .

وَنُفِيَ كَوْنُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِحَرْفِ لَمْ لِأَنَّ لَمْ تَقْلِبُ زَمَنَ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ إِلَى الْمَاضِي، فَتُفِيدُ انْتِفَاءَ مَادَّةِ الْفِعْلِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَتُفِيدُ تَجَدُّدَ ذَلِكَ الْمَنْفِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ فَيَحْصُلُ مَعْنَيَانِ: انْتِفَاءُ مَدْلُولِ الْفِعْلِ بِمَادَّتِهِ، وَتَجَدُّدُ الِانْتِفَاءِ بِصِيغَتِهِ، فَيُفِيدُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ