للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّلَامُ- لَمْ يَتَلَبَّسْ بِالْإِشْرَاكِ قَطُّ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مُنْذُ صَارَ مُمَيِّزًا، وَأَنَّهُ لَا يَتَلَبَّسُ بِالْإِشْرَاكِ أَبَدًا.

وشاكِراً لِأَنْعُمِهِ خَبَرٌ رَابِعٌ عَنْ كانَ. وَهُوَ مَدْحٌ لِإِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَتَعْرِيضٌ بِذُرِّيَّتِهِ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَكَفَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ مُقَابِلَ قَوْلِهِ: فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [سُورَة النَّحْل: ١١٢] . وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا الْكَلَامُ عَلَى أَنْعُمِ اللَّهِ.

وَجُمْلَةُ اجْتَباهُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، لِأَنَّ الثَّنَاءَ الْمُتَقَدِّمَ يُثِيرُ سُؤَالَ سَائِلٍ عَنْ سَبَبِ فَوْزِ إِبْرَاهِيمَ بِهَذِهِ الْمَحَامِدِ، فَيُجَابُ بِأَنَّ اللَّهَ اجْتَبَاهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالاته [سُورَة الْأَنْعَام: ١٢٤] .

وَالِاجْتِبَاءُ: الِاخْتِيَارُ، وَهُوَ افْتِعَالٌ مَنْ جَبَى إِذَا جَمَعَ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى واجتباهم وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٨٧] .

وَالْهِدَايَةُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ: الْهِدَايَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ وَدِينِ الْحَنِيفِيَّةِ.

وَضَمِيرُ آتَيْناهُ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ تَفَنُّنًا فِي الْأُسْلُوبِ لِتَوَالِي ثَلَاثَةِ ضَمَائِرَ غَيْبَةٍ.

وَالْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا: كُلُّ مَا فِيهِ رَاحَةُ الْعَيْشِ مِنِ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالدِّينِ، وَالصِّحَّةِ، وَالسَّلَامَةِ، وَطُولِ الْعُمْرِ، وَسَعَةِ الرِّزْقِ الْكَافِي، وَحُسْنِ الذِّكْرِ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً [سُورَة الْبَقَرَة: ٢٠١] .

وَالصَّلَاحُ: تَمَامُ الِاسْتِقَامَةِ فِي دِينِ الْحَقِّ. وَاخْتِيرَ هَذَا الْوَصْفُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمُهُ بِإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ، إِذْ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [سُورَة الشُّعَرَاء: ٨٣] .