وَ «حَوْلَ» يَدُلُّ عَلَى مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنْ مَكَانِ اسْمِ مَا أُضِيفَ (حَوْلَ) إِلَيْهِ.
وَكَوْنُ الْبَرَكَةِ حَوْلَهُ كِنَايَةٌ عَنْ حُصُولِ الْبَرَكَةِ فِيهِ بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهَا إِذَا حَصَلَتْ حَوْلَهُ فَقَدْ تَجَاوَزَتْ مَا فِيهِ فَفِيهِ لَطِيفَةُ التَّلَازُمِ، وَلَطِيفَةُ فَحَوَى الْخِطَابِ، وَلَطِيفَةُ الْمُبَالَغَةِ بِالتَّكْثِيرِ.
وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ زِيَادٍ الْأَعْجَمِ:
إِنَّ السَّمَاحَةَ وَالْمُرُوءَةَ وَالنَّدَى ... فِي قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلَى ابْنِ الْحَشْرَجِ
وَلِكَلِمَةِ حَوْلَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ حُسْنِ الْمُوَقِّعِ مَا لَيْسَ لِكَلِمَةِ (فِي) فِي بَيْتِ زِيَادٍ، ذَلِكَ أَنَّ ظَرْفِيَّةَ (فِي) أَعَمُّ. فَقَوْلُهُ: (فِي قُبَّةٍ) كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهَا فِي سَاكِنِ الْقُبَّةِ لَكِنْ لَا تُفِيدُ انْتِشَارَهَا وَتَجَاوُزَهَا مِنْهُ إِلَى مَا حَوْلَهُ.
وَأَسْبَابُ بَرَكَةِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى كَثِيرَةٌ كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ كَلِمَةُ حَوْلَهُ. مِنْهَا أَنَّ وَاضِعَهُ إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَمِنْهَا مَا لَحِقَهُ مِنَ الْبَرَكَةُ بِمَنْ صَلَّى بِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاء من دَاوُود وَسُلَيْمَانَ وَمَنْ بَعْدَهُمَا مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ بِحُلُولِ الرَّسُولِ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَإِعْلَانِهِ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ فِيهِ وَفِيمَا حَوْلَهُ، وَمِنْهَا بَرَكَةُ مَنْ دُفِنَ حَوْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَن قَبْرِي دَاوُود وَسُلَيْمَانَ حَوْلَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. وَأَعْظَمُ تِلْكَ الْبَرَكَاتِ حُلُول النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ذَلِكَ الْحُلُولُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ، وَصَلَاتُهُ فِيهِ بِالْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ.
وَقَوْلُهُ: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا تَعْلِيلُ الْإِسْرَاءِ بِإِرَادَةِ إِرَاءَةِ الْآيَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ، تَعْلِيلٌ بِبَعْضِ الْحِكَمِ الَّتِي لِأَجْلِهَا منح الله نبيئه مِنْحَةَ الْإِسْرَاءِ، فَإِنَّ لِلْإِسْرَاءِ حِكَمًا جَمَّةً تَتَّضِحُ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الْمَرْوِيِّ فِي «الصَّحِيحِ» . وَأَهَمُّهَا وَأَجْمَعُهَا إِرَاءَتُهُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَلَائِلِ قُدْرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، أَيْ لِنُرِيَهُ مِنَ الْآيَاتِ فَيُخْبِرُهُمْ بِمَا سَأَلُوهُ عَنْ وَصْفِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.
وَلَامُ التَّعْلِيلِ لَا تُفِيدُ حَصْرَ الْغَرَضِ مِنْ مُتَعَلَّقِهَا فِي مَدْخُولِهَا.
وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ فِي التَّعْلِيلِ عَلَى إِرَاءَةِ الْآيَاتِ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ أَعْلَقُ بِتَكْرِيمِ الْمُسْرَى بِهِ
وَالْعِنَايَةِ بِشَأْنِهِ، لِأَنَّ إِرَاءَةَ الْآيَاتِ تَزِيدُ يَقِينَ الرَّائِي بِوُجُودِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute