وَضَمِيرُ كَما دَخَلُوهُ عَائِدٌ إِلَى الْعِبَادِ الْمَذْكُورِ فِي ذِكْرِ الْمَرَّةِ الْأُولَى بِقَرِينَةِ اقْتِضَاءِ الْمَعْنَى مَرَاجِعَ الضَّمَائِرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها [الرّوم: ٩] ، وَقَوْلُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:
عُدْنَا وَلَوْلَا نَحْنُ أَحْدَقَ جَمْعُهُمْ ... بِالْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوا مَا جَمَعُوا
فَالسِّيَاقُ دَالٌّ عَلَى مَعَادِ (أَحْرَزُوا) وَمَعَادِ (جَمَعُوا) .
وَسَوْءُ الْوُجُوهِ: جَعْلُ الْمَسَاءَةِ عَلَيْهَا، أَيْ تَسْلِيطُ أَسْبَابِ الْمَسَاءَةِ وَالْكَآبَةِ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَبْدُوَ عَلَى وُجُوهِكُمْ لِأَنَّ مَا يُخَالِجُ الْإِنْسَانَ مِنْ غَمٍّ وَحُزْنٍ، أَوْ فَرَحٍ وَمَسَرَّةٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْوَجْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْجَسَدِ، كَقَوْلِ الْأَعْشَى:
وَأُقْدِمُ إِذَا مَا أَعْيُنُ النَّاسِ تَفْرَقُ أَرَادَ إِذَا مَا تَفَرَّقَ النَّاسُ وَتَظْهَرُ عَلَامَاتُ الْفَرَقِ فِي أَعْيُنِهِمْ.
وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ دُخُولُ غَزْوٍ بِقَرِينَةِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ: كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُهُ: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ [الْإِسْرَاء: ٥] .
وَالتَّتْبِيرُ: الْإِهْلَاكُ وَالْإِفْسَادُ.
وَمَا عَلَوْا مَوْصُولُ هُوَ مَفْعُولُ «يُتَبِّرُوا» ، وَعَائِدُ الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ مَنْصُوبٌ، وَالتَّقْدِيرُ: مَا عَلَوْهُ، وَالْعُلُوُّ عُلُوٌّ مَجَازِيٌّ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ وَالْغَلَبُ.
وَلَمْ يَعِدْهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ إِلَّا بِتَوَقُّعِ الرَّحْمَةِ دُونَ رَدِّ الْكَرَّةِ، فَكَانَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ هُوَ مَا اقْتَرَفَهُ الْيَهُودُ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالتَّمَرُّدِ وَقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى عِيسَى وَأَتْبَاعِهِ، وَقَدْ أَنْذَرَهُمُ النَّبِيءُ مَلَّاخِي فِي الْإِصْحَاحَيْنِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ كِتَابِهِ وَأَنْذَرَهُمْ زَكَرِيَّاءُ وَيَحْيَى وَعِيسَى (١) فَلَمْ يَرْعَوُوا فَضَرَبَهُمُ اللَّهُ الضَّرْبَةَ الْقَاضِيَةَ بِيَدِ الرُّومَانِ.
(١) انْظُر الإصحاح الثَّالِث من إنجيل مرقس الحوارى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute