وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْيَهُودَ بَعْدَ أَنْ عَادُوا إِلَى أُورْشَلِيمَ وَجَدَّدُوا مُلْكَهُمْ وَمَسْجِدَهُمْ فِي زَمَنِ (دَارِيُوسَ) وَأُطْلِقَ لَهُمُ التَّصَرُّفُ فِي بِلَادِهِمُ الَّتِي غَلَبَهُمْ عَلَيْهَا الْبَابِلِيُّونَ وَكَانُوا تَحْتَ نُفُوذِ مَمْلَكَةِ فَارِسَ، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ مِائَتَيْ سَنَةٍ مِنْ سَنَةِ ٥٣٠ إِلَى سَنَةِ ٣٣٠ قَبْلَ الْمَسِيحِ، ثُمَّ أَخَذَ مُلْكُهُمْ فِي الِانْحِلَالِ بِهُجُومِ الْبَطَالِسَةِ مُلُوكِ مِصْرَ عَلَى أُورْشَلِيمَ فَصَارُوا تَحْتَ سُلْطَانِهِمْ إِلَى سَنَةِ ١٦٦ قَبْلَ الْمَسِيحِ إِذْ قَامَ قَائِدٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ اسْمُهُ (مِيثِيَا) وَكَانَ مِنَ اللَّاوِيِّينَ فَانْتَصَرَ لِلْيَهُودِ وَتَوَلَّى الْأَمْرَ عَلَيْهِمْ وَتَسَلْسَلَ الْمُلْكُ بَعْدَهُ فِي أَبْنَائِهِ فِي زَمَنٍ مَلِيءٍ بِالْفِتَنِ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِينَ قَبْلَ الْمَسِيحِ. دَخَلَتِ الْمَمْلَكَةَ تَحْتَ نُفُوذِ الرُّومَانِيِّينَ، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا أُمَرَاءَ مِنَ الْيَهُودِ كَانَ أَشْهَرُهُمْ (هِيرُودُسَ) ثُمَّ تَمَرَّدُوا لِلْخُرُوجِ عَلَى الرومانيين، فَأرْسل فيصر رُومِيَّةَ الْقَائِدَ (سِيسِيَانُوسَ) مَعَ ابْنِهِ الْقَائِدِ (طِيطُوسَ) بِالْجُيُوشِ فِي حُدُودِ سَنَةِ أَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمَسِيحِ
فَخَرُبَتْ أُورْشَلِيمُ وَاحْتَرَقَ الْمَسْجِدُ، وَأَسَرَ (طِيطُوسُ) نَيِّفًا وَتِسْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ، وَقَتَلَ مِنَ الْيَهُودِ فِي تِلْكَ الْحُرُوبِ نَحْوَ أَلْفِ أَلْفٍ، ثُمَّ اسْتَعَادُوا الْمَدِينَةَ وَبَقِيَ مِنْهُمْ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ بِهَا إِلَى أَنْ وَافَاهُمُ الْإِمْبِرَاطُورُ الرُّومَانِيُّ (أَدْرِيَانُوسُ) فَهَدَمَهَا وَخَرَّبَهَا وَرَمَى قَنَاطِيرَ الْمِلْحِ عَلَى أَرْضِهَا كَيْلَا تَعُودَ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ، وَذَلِكَ سَنَةَ ١٣٥ لِلْمَسِيحِ. وَبِذَلِكَ انْتَهَى أَمْرُ الْيَهُودِ وَانْقَرَضَ، وَتَفَرَّقُوا فِي الْأَرْضِ وَلَمْ تَخْرُجْ أُورْشَلِيمُ مِنْ حُكْمِ الرُّومَانِ إِلَّا حِينَ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخطاب سنة ١٦ هـ صُلْحًا مَعَ أَهْلِهَا وَهِيَ تُسَمَّى يَوْمَئِذٍ (إِيلِيَاءُ) .
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً عَلَى جُمْلَةِ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ عَطْفَ التَّرْهِيبِ عَلَى التَّرْغِيبِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعْتَرِضَةً وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ. وَالْمَعْنَى: بَعْدَ أَنْ يَرْحَمَكُمْ رَبُّكُمْ وَيُؤَمِّنَكُمْ فِي الْبِلَاد الَّتِي تلجأون إِلَيْهَا، إِنْ عُدْتُمْ إِلَى الْإِفْسَادِ عُدْنَا إِلَى عِقَابِكُمْ، أَيْ عُدْنَا لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عِقَابِ الدُّنْيَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute