وَ (عَنْهُ) جَارٌّ وَمَجْرُورٌ فِي مَوْضِعِ النَّائِبِ عَنِ الْفَاعِلِ لِاسْمِ الْمَفْعُولِ، كَقَوْلِهِ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الْفَاتِحَة: ٧] . وَقُدِّمَ عَلَيْهِ لِلِاهْتِمَامِ، وَلِلرَّعْيِ عَلَى الْفَاصِلَةِ. وَالتَّقْدِير:
كَانَ مسؤولا عَنْهُ، كَمَا تَقول: كَانَ مسؤولا زَيْدٌ. وَلَا ضَيْرَ فِي تَقْدِيمِ الْمَجْرُورِ الَّذِي هُوَ فِي رُتْبَةِ نَائِبِ الْفَاعِلِ وَإِنْ كَانَ تَقْدِيمُ نَائِبِ الْفَاعِلِ مَمْنُوعًا لِتَوَسُّعِ الْعَرَبِ فِي الظُّرُوفِ وَالْمَجْرُورَاتِ، وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ نَائِبِ الْفَاعِلِ الصَّرِيحِ يُصَيِّرُهُ مُبْتَدَأً وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُورُ مُبْتَدَأً فَانْدَفَعَ مَانِعُ التَّقْدِيمِ.
وَالْمَعْنَى: كُلُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ والفؤاد كَانَ مسؤولا عَنْ نَفْسِهِ، وَمَحْقُوقًا بِأَنْ يُبَيِّنَ مُسْتَنَدَ صَاحِبِهِ مِنْ حِسِّهِ.
وَالسُّؤَالُ: كِنَايَةٌ عَنِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالتَّقْصِيرِ وَتَجَاوُزِ الْحَقِّ، كَقَوْلِ كَعْبٍ:
وَقِيلَ إِنَّك مَنْسُوب ومسؤول
أَيْ مُؤَاخَذٌ بِمَا اقْتَرَفْتَ مِنْ هجو النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ فِي الْآيَةِ كِنَايَةٌ بِمَرْتَبَةٍ أُخْرَى عَنْ مُؤَاخَذَةِ صَاحِبِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ بِكَذِبِهِ عَلَى حَوَاسِّهِ. وَلَيْسَ هُوَ بِمَجَازٍ عَقْلِيٍّ لِمُنَافَاةِ اعْتِبَارِهِ هُنَا تَأْكِيدَ الْإِسْنَادِ بِ (إِنَّ) وب (كُلُّ) وَمُلَاحَظَةِ اسْمِ الْإِشَارَةِ وَ (كَانَ) .
وَهَذَا الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [النّور: ٢٤] أَيْ يُسْأَلُ السَّمْعُ: هَلْ سَمِعْتَ؟ فَيَقُولُ: لَمْ أَسْمَعْ، فَيُؤَاخَذُ صَاحِبُهُ بِأَنْ أُسْنِدَ إِلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ إِيَّاهُ وَهَكَذَا.
وَالِاسْمُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ يَعُودُ إِلَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ وَهُوَ مِنِ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْإِشَارَةِ الْغَالِبِ اسْتِعْمَالُهُ لِلْعَامِلِ فِي غَيْرِ الْعَاقِلِ تَنْزِيلًا لِتِلْكَ الْحَوَاسِّ مَنْزِلَةَ الْعُقَلَاءِ لِأَنَّهَا جَدِيرَةٌ بِذَلِكَ إِذْ هِيَ طَرِيقُ الْعَقْلِ وَالْعَقْلُ نَفْسُهُ. عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ (أُولَئِكَ) لِغَيْرِ الْعُقَلَاءِ اسْتِعْمَالٌ مَشْهُورٌ قِيلَ هُوَ اسْتِعْمَالٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute