جَوَابِهَا لِأَجْلِ امْتِنَاعِ وُقُوعِ شَرْطِهَا، وَزَائِدَةٌ بِأَنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ الْجَوَابَ جَزَاءٌ عَنِ الْكَلَامِ الْمُجَابِ. فَالْمَقْصُودُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى انْتِفَاءِ إِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ وَالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ جَعَلُوهُمْ آلِهَةً.
وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ مَآلُهُمَا وَاحِدٌ:
وَالْمعْنَى الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّبِيلِ سَبِيلَ السَّعْيِ إِلَى الْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ، أَيْ لَطَلَبُوا مُغَالَبَةَ ذِي الْعَرْشِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ [الْمُؤْمِنُونَ: ٩١] . وَوَجْهُ الْمُلَازَمَةِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا الدَّلِيلُ أَنَّ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ السُّلْطَانِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَنْ يَتَطَلَّبُوا تَوْسِعَةَ سُلْطَانِهِمْ وَيَسْعَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِالْغَزْوِ وَيَتَأَلَّبُوا عَلَى السُّلْطَانِ الْأَعْظَمِ لِيَسْلُبُوهُ مُلْكَهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَقَدِيمًا مَا ثَارَتِ الْأُمَرَاءُ وَالسَّلَاطِينُ عَلَى مَلِكِ الْمُلُوكِ وَسَلَبُوهُ مُلْكَهُ فَلَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ آلِهَةٌ لَسَلَكُوا عَادَةَ أَمْثَالِهِمْ.
وَتَمَامُ الدَّلِيلِ مَحْذُوفٌ لِلْإِيجَازِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَسْتَلْزِمُهُ ابْتِغَاءُ السَّبِيلِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنَ التَّدَافُعِ وَالتَّغَالُبِ اللَّازِمَيْنِ عُرْفًا لِحَالَةِ طَلَبِ سَبِيلِ النُّزُولِ بِالْقَرْيَةِ أَوِ الْحَيِّ لِقَصْدِ الْغَزْوِ.
وَذَلِكَ الْمُفْضِي إِلَى اخْتِلَالِ الْعَالَمِ لِاشْتِغَالِ مُدَبِّرِيهِ بِالْمُقَاتَلَةِ وَالْمُدَافَعَةِ عَلَى نَحْوِ مَا يُوجَدُ فِي مِيثُلُوجِيَا الْيُونَانِ مِنْ تَغَالُبِ الْأَرْبَابِ وَكَيْدِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَيَكُونُ هَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاء: ٢٢] . وَهُوَ الدَّلِيلُ الْمُسَمَّى بِبُرْهَانِ التَّمَانُعِ فِي عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ، فَالسَّبِيلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَجَازٌ عَنِ التَّمَكُّنِ وَالظَّفَرِ بِالْمَطْلُوبِ. وَالِابْتِغَاءُ عَلَى هَذَا ابْتِغَاءٌ عَنْ عَدَاوَةٍ وَكَرَاهَةٍ.
وَقَوْلُهُ: كَمَا تَقُولُونَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَنْبِيهٌ عَلَى خَطَئِهِمْ، وَهُوَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَوْصُولِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الْخَطَأِ.
وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّبِيلِ سَبِيلَ الْوُصُولِ إِلَى ذِي الْعَرْشِ، وَهُوَ اللَّهُ
تَعَالَى، وُصُولَ الْخُضُوعِ وَالِاسْتِعْطَافِ وَالتَّقَرُّبِ، أَيْ لَطَلَبُوا مَا يُوَصِّلُهُمْ إِلَى مَرْضَاتِهِ كَقَوْلِهِ:
يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ [الْإِسْرَاء: ٥٧] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute