وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّكُمْ جَعَلْتُمُوهُمْ آلِهَةً وَقُلْتُمْ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيَكُونُوا شُفَعَاءَنَا عِنْدَ اللَّهِ، فَلَوْ كَانُوا آلِهَةً كَمَا وَصَفْتُمْ إِلَهِيَّتَهُمْ لَكَانُوا لَا غِنَى لَهُمْ عَنِ الْخُضُوعِ إِلَى اللَّهِ، وَذَلِكَ كَافٍ لَكُمْ بِفَسَادِ قَوْلِكُمْ، إِذِ الْإِلَهِيَّةُ تَقْتَضِي عَدَمَ الِاحْتِيَاجِ فَكَانَ مَآلُ قَوْلِكُمْ إِنَّهُمْ عِبَادٌ لِلَّهِ مُكْرَمُونَ عِنْدَهُ، وَهَذَا كَافٍ فِي تَفَطُّنِكُمْ لِفَسَادِ الْقَوْلِ بِإِلَهِيَّتِهِمْ.
وَالِابْتِغَاءُ عَلَى هَذَا ابْتِغَاءُ مَحَبَّةٍ وَرَغْبَةٍ، كَقَوْلِهِ: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا [المزمّل: ١٩] . وَقَرِيبٌ مِنْ مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ [الْأَنْبِيَاء: ٢٦] ، فَالسَّبِيلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَجَازٌ عَنِ التَّوَسُّلِ إِلَيْهِ وَالسَّعْيِ إِلَى مَرْضَاتِهِ.
وَقَوْلُهُ: كَمَا تَقُولُونَ عَلَى هَذَا الْمَعْنى تَقْيِيد لِلْكَوْنِ فِي قَوْلِهِ: لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ أَيْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ حَالَ كَوْنِهِمْ كَمَا تَقُولُونَ، أَيْ كَمَا تَصِفُونَ إِلَهِيَّتَهُمْ مِنْ قَوْلِكُمْ: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يُونُس: ١٨] .
وَاسْتِحْضَارُ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ بِوَصْفِ ذِي الْعَرْشِ دُونَ اسْمِهِ الْعَلَمِ لِمَا تَتَضَمَّنُهُ الْإِضَافَةُ إِلَى الْعَرْشِ مِنَ الشَّأْنِ الْجَلِيلِ الَّذِي هُوَ مَثَارُ حَسَدِ الْآلِهَةِ إِيَّاهُ وَطَمَعِهِمْ فِي انْتِزَاعِ مُلْكِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، أَوِ الَّذِي هُوَ مَطْمَعُ الْآلِهَةِ الِابْتِغَاءُ مِنْ سِعَةِ مَا عِنْدَهُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ كَمَا تَقُولُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ عَلَى الْغَالِبِ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلِ الْمَأْمُورِ بِتَبْلِيغِهِ أَنْ يُحْكَى كَمَا يَقُولُ الْمُبَلِّغُ حِينَ إِبْلَاغِهِ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ- بِيَاءِ الْغَيْبَةِ- عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلِ الْمَأْمُورِ بِإِبْلَاغِهِ لِلْغَيْرِ أَنْ يُحْكَى بِالْمَعْنَى. لِأَنَّ فِي حَالِ خِطَابِ الْآمِرِ الْمَأْمُورَ بِالتَّبْلِيغِ يَكُونُ الْمُبَلَّغُ لَهُ غَائِبًا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُخَاطَبًا عِنْدَ التَّبْلِيغِ فَإِذَا لُوحِظَ حَالُهُ هَذَا عُبِّرَ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْغَيْبَة كَمَا قرىء قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ [آل عمرَان: ١٢]- بِالتَّاءِ وَبِالْيَاءِ- أَو على أَن قَوْلِهِ: كَما يَقُولُونَ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ شَرْطِ (لَو) وَجَوَابه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute