عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الذُّكْرِ- بِضَمِّ الذَّالِ- وَهُوَ إِعَادَةُ الْخَبَرِ إِلَى الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الذَّاكِرَةِ.
وَالْإِحَاطَةُ لَمَّا عُدِّيَ فِعْلُهَا هُنَا إِلَى ذَاتِ النَّاسِ لَا إِلَى حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ تَعَيَّنَ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الْغَلَبَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ فِي سُورَةِ يُونُسَ [٢٢] . وَعَبَّرَ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِ إِحَاطَةِ اللَّهِ بِالنَّاسِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ. وَلَعَلَّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [الرَّعْد: ٤١] .
وَالْمَعْنَى: فَلَا تَحْزَنْ لِافْتِرَائِهِمْ وَتَطَاوُلِهِمْ فَسَنَنْتَقِمُ مِنْهُمْ.
وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ [الْإِسْرَاء: ٥٩] وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضَاتٌ.
وَالرُّؤْيَا أَشْهَرُ اسْتِعْمَالِهَا فِي رُؤْيَا النَّوْمِ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي رُؤْيَةِ الْعَيْنِ كَمَا نُقِلَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أريها النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: إِنَّهُ قَوْلُ عَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ وَسَبْعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، سَمَّاهُمُ التِّرْمِذِيُّ. وَتَأَوَّلَهَا جَمَاعَةٌ أَنَّهَا مَا رَآهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِذْ رَأَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَجَعَلَ يَصِفُهُ لِلْمُشْرِكِينَ، وَرَأَى عِيرَهُمْ وَارِدَةً فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الطَّرِيقِ وَوَصَفَ لَهُمْ حَالَ رِجَالٍ فِيهَا فَكَانَ كَمَا وَصَفَ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْوَجْهَ قَوْلُهُ: الَّتِي أَرَيْناكَ فَإِنَّهُ وَصْفٌ لِلرُّؤْيَا لِيُعْلَمَ أَنَّهَا رُؤْيَةُ عَيْنٍ. وَقِيلَ: رَأَى أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ فِي سَنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَرَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ فَلَمْ يَدْخُلْهَا فَافْتَتَنَ بَعْضُ مَنْ أَسْلَمُوا فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ دَخَلَهَا.
وَقِيلَ: هِيَ رُؤْيَا مَصَارِعِ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فِي بدر أريها النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ أَي بِمَكَّة.
وعى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَهِيَ رُؤْيَا نَوْمٍ وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute