وَالْفِتْنَةُ: اضْطِرَابُ الرَّأْيِ وَاخْتِلَالُ نِظَامِ الْعَيْشِ، وَتُطْلَقُ عَلَى الْعَذَابِ الْمُكَرَّرِ الَّذِي لَا يُطَاقُ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [البروج: ١٠] ، وَقَالَ: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات: ١٣] . فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى أَوَّلِ الْقَوْلَيْنِ فِي الرُّؤْيَا أَنَّهَا سَبَب فتْنَة الْمُشْركين بازدياد بعدهمْ عَن الْإِيمَان، وَيكون على القَوْل الثَّانِي أَن الْمَرْئِيُّ وَهُوَ عَذَابُهُمْ بِالسَّيْفِ فِتْنَةً لَهُمْ.
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَالشَّجَرَةَ عَطْفٌ عَلَى الرُّؤْيَا، أَيْ مَا جَعَلْنَا ذِكْرَ الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ. وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ [٦٤- ٦٦] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ [٤٣- ٤٤] ، وَقَوْلِهِ:
إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ [٥١- ٥٢] .
رُوِيَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ: «زَعَمَ صَاحِبُكُمْ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ تَحْرِقُ الْحَجَرَ ثُمَّ يَقُولُ بِأَنَّ فِي النَّارِ شَجَرَةً لَا تَحْرِقُهَا النَّارُ» . وَجَهِلُوا أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِي النَّارِ شَجَرَةً لَا تَأْكُلُهَا النَّارُ. وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ فِي «أَسْبَابِ النُّزُول» لِلْوَاحِدِيِّ و «تَفْسِير الطَّبَرِيِّ» . وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ الزِّبَعْرَى قَالَ: الزَّقُّومُ التَّمْرُ بِالزُّبْدِ بِلُغَةِ الْيَمَنِ، وَأَنَّ أَبَا جَهْلٍ أَمَرَ جَارِيَةً فَأَحْضَرَتْ تَمْرًا وَزُبْدًا وَقَالَ لأَصْحَابه: تمزقوا. فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَالْمَعْنَى: أَنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ سَبَب فتْنَة مكفرهم وَانْصِرَافِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ. وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى جَعْلِ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ فِتْنَةً عَلَى
هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ ذِكْرَهَا كَانَ سَبَبَ فِتْنَةٍ بِحَذْفِ مُضَافٍ وَهُوَ ذِكْرٌ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ مَا وُصِفَتْ بِهِ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ لَعْنٌ لَهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: أَنَّ إِيجَادَهَا فِتْنَةٌ. أَيْ عَذَابٌ مُكَرَّرٌ، كَمَا قَالَ: إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ [الصافّات: ٦٣] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute