وَالْمَلْعُونَةُ أَيِ الْمَذْمُومَةُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: طَعامُ الْأَثِيمِ [الدُّخان: ٤٤] وَقَوْلِهِ:
طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: ٦٥] وَقَوْلِهِ: كَالْمُهْلِ تَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدُّخان: ٤٥- ٤٦] . وَقِيلَ مَعْنَى الْمَلْعُونَةِ: أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِي مَكَانِ اللَّعْنَةِ وَهِيَ الْإِبْعَادُ مِنَ الرَّحْمَةِ، لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ فِي مَوْضِعِ الْعَذَابِ. وَفِي «الْكَشَّافِ» : قِيلَ تَقُولُ الْعَرَبُ لِكُلِّ طَعَامٍ ضَارٍّ: مَلْعُونٌ.
وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً.
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [الْإِسْرَاء: ٥٩] الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَصَلِّبُونَ فِي كُفْرِهِمْ مُكَابِرُونَ مُعَانِدُونَ. وَهَذِهِ زِيَادَةٌ فِي تَسْلِيَة النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَا يَأْسَفَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِهِمْ آيَاتٍ، لِأَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيصٌ عَلَى إِيمَانِهِمْ، كَمَا قَالَ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يُونُس:
٨٨] .
وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي الشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ بَنُو أُمَيَّةَ. وَهَذَا من الْأَخْبَار الْمُخْتَلفَة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا أَخَالُهَا إِلَّا مِمَّا وَضَعَهُ الْوَضَّاعُونَ فِي زَمَنِ الدَّعْوَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ لِإِكْثَارِ الْمُنَفِّرَاتِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَأَنَّ وَصْفَ الشَّجَرَةِ بِأَنَّهَا الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ صَرِيحٌ فِي وُجُودِ آيَاتٍ فِي الْقُرْآنِ ذُكِرَتْ فِيهَا شَجَرَةٌ مَلْعُونَةٌ وَهِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ كَمَا عَلِمْتَ. وَمِثْلُ هَذَا الِاخْتِلَاقِ خُرُوجٌ عَنْ وَصَايَا الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ [الحجرات: ١١] .
وَجِيء بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي نُخَوِّفُهُمْ لِلْإِشَارَةِ إِلَى تَخْوِيفٍ حَاضِرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ خَوَّفَهُمْ بِالْقَحْطِ وَالْجُوعِ حَتَّى رَأَوُا الدُّخَانَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَسَأَلُوا اللَّهَ كَشْفَهُ فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ [الدُّخان: ١٥] فَذَلِكَ وَغَيْرُهُ مِنَ التَّخْوِيفِ الَّذِي سُبِقَ فَلَمْ يَزِدْهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا. فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مُدَّةِ حُصُولِ بَعْضِ الْمُخَوِّفَاتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute