كَشَأْنِ مَنْ يَلْحَقُهُ ضُرٌّ فِي قَوْمِهِ أَنْ يُدَافِعَ عَنْهُ وَيُطَالِبَ بِدَمِهِ أَوْلِيَاؤُهُ وَعِصَابَتُهُ. وَهَذَا الْمَعْنَى مُنَاسِبٌ لِمَا يَقَعُ فِي الْبَرِّ مِنَ الْحَدَثَانِ.
وَ (أَمْ) عَاطِفَةُ الِاسْتِفْهَامِ، وَهِيَ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ، أَي بل أأمنتم، فَالِاسْتِفْهَامُ مُقَدَّرٌ مَعَ (أَمْ) لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِهِ، أَيْ أَوْ هَلْ كُنْتُمْ آمَنِينَ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى رُكُوبِ الْبَحْرِ مَرَّةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ.
وَالتَّارَةُ: الْمَرَّةُ الْمُتَكَرِّرَةُ، قِيلَ عَيْنُهُ هَمْزَةٌ ثُمَّ خُفِّفَتْ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ. وَقِيلَ: هِيَ وَاوٌ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِوُجُودِهِ مَهْمُوزًا وَهُمْ لَا يَهْمِزُونَ حَرْفَ الْعِلَّةِ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى، وَأَمَّا تَخْفِيفُ الْمَهْمُوزِ فَكَثِيرٌ مِثْلُ: فَأْسٍ وَفَاسٍ، وَكَأْسٍ وَكَاسٍ.
وَمَعْنَى أَنْ يُعِيدَكُمْ أَنْ يُوجِدَ فِيكُمُ الدَّوَاعِيَ إِلَى الْعَوْدِ تَهْيِئَةً لِإِغْرَاقِكُمْ وَإِرَادَةً لِلِانْتِقَامِ مِنْكُمْ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَتَفْرِيعٌ فَيُرْسِلَ عَلَيْهِ.
وَالْقَاصِفُ: الَّتِي تَقْصِفُ، أَيْ تَكْسِرُ. وَأَصْلُ الْقَصْفِ: الْكَسْرُ. وَغَلَبَ وَصْفُ الرِّيحِ بِهِ. فَعُومِلَ مُعَامَلَةَ الصِّفَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمُؤَنَّثِ فَلَمْ يُلْحِقُوهُ عَلَامَةَ التَّأْنِيثِ، مِثْلَ عاصِفٌ فِي قَوْلِهِ: جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ فِي سُورَةِ يُونُسَ [٢٢] . وَالْمَعْنَى: فَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ رِيحًا قَاصِفًا، أَيْ تَقْصِفُ الْفُلْكَ، أَيْ تُعْطِبُهُ بِحَيْثُ يَغْرَقُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: فَيُغْرِقَكُمْ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ مِنَ الرِّيحِ بِالْإِفْرَادِ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنَ الرِّيَاحِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ.
وَالْبَاءُ فِي بِما كَفَرْتُمْ لِلسَّبَبِيَّةِ. وَ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ بِكُفْرِكُمْ، أَيْ شِرْكِكُمْ.
وَ (ثُمَّ) لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ كَشَأْنِهَا فِي عَطْفِهَا الْجُمَلَ. وَهُوَ ارْتِقَاءٌ فِي التَّهْدِيدِ بِعَدَمِ وُجُودِ مُنْقِذٍ لَهُمْ، بَعْدَ تَهْدِيدِهِمْ بِالْغَرَقِ لِأَنَّ الْغَرِيقَ قَدْ يَجِدُ مُنْقِذًا.
وَالتَّبِيعُ: مُبَالَغَةٌ فِي التَّابِعِ، أَيِ الْمُتَتَبِّعُ غَيْرَهُ الْمُطَالِبُ لِاقْتِضَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ. أَيْ لَا تَجِدُوا مَنْ يَسْعَى إِلَيْهِ وَلَا مَنْ يُطَالِبُ لَكُمْ بِثَأْرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute