وَاقِعٍ وَلَا مُقَارِبٍ الْوُقُوعَ لِأَنَّ الْآيَةَ قَدْ نَفَتْهُ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ، وَهِيَ: (لَوْلَا) الِامْتِنَاعِيَّةُ. وَفِعْلُ الْمُقَارَبَةِ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ مَا كَانَ يَقَعُ الرُّكُونُ وَلَكِنْ يَقَعُ الِاقْتِرَابُ مِنْهُ، وَالتَّحْقِيرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ شَيْئاً، وَالتَّقْلِيلُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَلِيلًا.
أَيْ لَوْلَا إِفْهَامُنَا إِيَّاكَ وَجْهَ الْحَقِّ لَخَشِيَ أَنْ تَقْتَرِبَ مِنْ رُكُونٍ ضَعِيفٍ قَلِيلٍ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ. وَدَخَلَتْ (قَدْ) فِي حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ فَأَصْبَحَ تَحْقِيقُهَا مَعْدُومًا، أَيْ لَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَتَحَقَّقَ قُرْبُ مَيْلِكَ الْقَلِيلِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّا ثَبَّتْنَاكَ.
وَجُمْلَةُ إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ جَزَاءٌ لِجُمْلَةِ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ. وَالْمَعْنَى: لَوْ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ. وَلِمَا فِي (إِذَنْ) مِنْ مَعْنَى الْجَزَاءِ اسْتُغْنِيَ عَنْ رَبْطِ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّفْرِيعِ. وَالْمَعْنَى: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ فَلَأَذَقْنَاكَ.
وَالضِّعْفُ- بِكَسْرِ الضَّادِ-: مُمَاثِلٌ مِقْدَارَ شَيْءٍ ذِي مِقْدَارٍ، فَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا مُبَيِّنًا بِجِنْسِهِ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ [النُّور: ٣٠] ، أَيْ ضِعْفَيْ مَا أُعِدَّ لِتِلْكَ الْفَاحِشَةِ. وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ سَاغَ إِطْلَاقُهُ دُونَ بَيَانٍ اعْتِمَادًا عَلَى بَيَانِ السِّيَاقِ كَمَا هُنَا، فَإِنَّ ذِكْرَ الْإِذَاقَةِ فِي مقَام التحذير ينبىء بِأَنَّهَا إِذَاقَةُ عَذَابٍ مَوْصُوفٍ بِأَنَّهُ ضِعْفٌ.
ثُمَّ إِنَّ الضِّعْفَ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْقَوِيِّ الشَّدِيدِ لِعَدَمِ حَمْلِ الضِّعْفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ إِذْ لَيْسَ ثَمَّ عِلْمٌ بِمِقْدَارِ الْعَذَابِ يُرَادُ تَضْعِيفُهُ كَقَوْلِهِ: فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي
سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣٨] .
وَإِضَافَةُ الضِّعْفِ إِلَى الْحَيَاةِ وَإِلَى الْمَمَاتِ عَلَى مَعْنَى (فِي) ، فَإِنَّ تَقْدِيرَ مَعْنَى (فِي) بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِإِضَافَةِ مَا يُضَافُ إِلَى الْأَوْقَاتِ. فَالتَّقْدِيرُ: لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفًا فِي الْحَيَاةِ وَضِعْفًا فِي الْمَمَاتِ، فَضِعْفُ عَذَابِ الْحَيَاةِ هُوَ تَرَاكُمُ الْمَصَائِبِ وَالْأَرْزَاءِ فِي مُدَّةِ الْحَيَاةِ، أَيِ الْعُمْرِ بِزَوَالِ مَا كَانَ يَنَالُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute