مِنْ بَهْجَةٍ وَسُرُورٍ بِتَمَامِ دَعْوَتِهِ وَانْتِظَامِ أُمَّتِهِ، ذَلِكَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْهُ أَعْدَاؤُهُ، وَعَذَابُ الْمَمَاتِ أَنْ يَمُوتَ مَكْمُودًا مُسْتَذَلًّا بَيْن كُفَّارٍ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ قَدْ فَازُوا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفُوا عَلَى السُّقُوطِ أَمَامَهُ.
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَضِعْفَ الْمَماتِ فِي اسْتِمْرَارِ ضِعْفِ الْحَيَاةِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ حَتَّى الْمَمَاتِ.
فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ ضِعْفِ الْمَمَاتِ عَذَابَ الْآخِرَةِ لِأَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ رَكَنَ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا لَكَانَ ذَلِكَ عَنِ اجْتِهَادٍ وَاجْتِلَابًا لِمَصْلَحَةِ الدِّينِ فِي نَظَرِهِ، فَلَا يَكُونُ عَلَى الِاجْتِهَادِ عِقَابٌ فِي الْآخِرَةِ إِذِ الْعِقَابُ الْأُخْرَوِيُّ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى مُخَالَفَةٍ فِي التَّكْلِيفِ، وَقَدْ سوغ الله لنبيئه الِاجْتِهَاد وَجعل للمخطىء فِي اجْتِهَادِهِ أَجْرًا كَمَا قَرَّرَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [٦٨] .
وَأَمَّا مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَأَرْزَاؤُهَا فَهِيَ مُسَبَّبَةٌ عَلَى أَسْبَابٍ مَنِ الْأَغْلَاطِ وَالْأَخْطَاءِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي التَّفَادِي مِنْهَا حُسْنُ النِّيَّةِ إِنْ كَانَ صَاحِبُهَا قَدْ أَخْطَأَ وَجْهَ الصَّوَابِ، فَتَدَبَّرْ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي تَدَبُّرَ ذَوِي الْأَلْبَابِ، وَلِهَذَا خُولِفَ التَّعْبِيرُ الْمُعْتَادُ اسْتِعْمَالُهُ لِعَذَابِ الْآخِرَةِ. وَعُبِّرَ هُنَا بِ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ.
وَجُمْلَةُ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ لَأَذَقْناكَ.
وَمَوْقِعُهَا تَحْقِيقُ عَدَمِ الْخَلَاصِ مِنْ تِلْكَ الْإِذَاقَةِ. وَ (ثُمَّ) لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ لِأَنَّ عَدَمَ الْخَلَاصِ مِنَ الْعَذَابِ أَهَمُّ مِنْ إِذَاقَتِهِ، فَرُتْبَتُهُ فِي الْأَهَمِّيَّةِ أَرْقَى. وَالنَّصِيرُ: النَّاصِرُ الْمُخَلِّصُ مِنَ الْغَلَبَةِ أَوِ الَّذِي يَثْأَرُ لِلْمَغْلُوبِ، أَيْ لَا تَجِدُ لِنَفْسِكَ مَنْ يَنْتَصِرُ لَكَ فَيَصُدُّنَا عَنْ إِلْحَاقِ ذَلِكَ بِكَ أَوْ يَثْأَرُ لَك منا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute