الْمُنَوَّنِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ بَعْدَهَا مَنْصُوبًا بِ (أَنْ) مُضْمَرَةٍ، فَإِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ عَاطِفٍ جَازَ رَفْعُ الْمُضَارِعِ بَعْدَهَا وَنَصْبُهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (إِذًا) ظرفا للزمان، وتنوينها عوض عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ نُحَاةِ الْكُوفَةِ، وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ عَاطِفٍ لَمْ يَنْتَصِبْ بَعْدَهَا الْمُضَارِعُ إِلَّا نَادِرًا لِانْتِفَاءِ مَعْنَى التَّسَبُّبِ، وَلِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ فِيهَا مَعْنَى الْجَوَابِ وَالْجَزَاءِ.
وَالتَّقْدِيرُ: وَإِذًا أَخْرَجُوكَ أَوْ وَإِذًا خَرَجْتَ لَا يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ إِلَّا قَلِيلًا.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ خَلْفَكَ.
وخَلْفَكَ أُرِيدَ بِهِ بَعْدَكَ. وَأَصْلُ الْخَلْفِ الْوَرَاءُ فَاسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الْبَعْدِيَّةِ، أَيْ لَا
يَلْبَثُونَ بَعْدَكَ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ، وَخَلَفٌ خِلافَكَ وَهُوَ لُغَةٌ فِي خَلْفٍ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ [التَّوْبَة: ٨١] .
وَاللُّبْثُ: الِاسْتِقْرَارُ فِي الْمَكَانِ، أَيْ لَا يَسْتَقِرُّونَ فِي مَكَّةَ بَلْ يَخْرُجُونَ مِنْهَا فَلَا يَرْجِعُونَ. وَقَدْ خَرَجَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ مُهَاجِرًا وَكَانُوا السَّبَبَ فِي خُرُوجِهِ فَكَأَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٩١] ، فَلَمْ يَلْبَثِ الَّذِينَ تَسَبَّبُوا فِي إِخْرَاجِهِ وَأَلَّبُوا عَلَيْهِ قَوْمَهُمْ بَعْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى وَقْعَةٍ بَدْرٍ فَلَقُوا حَتْفَهُمْ هُنَالِكَ فَلَمْ يَرْجِعُوا وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْوَعِيدُ، وَأَبْقَى الله عامتهم ودهاءهم لِضَعْفِ كَيْدِهِمْ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَفِي الْآيَةِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الرَّسُولَ سَيَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَّ مُخْرِجِيهِ، أَيِ الْمُتَسَبِّبِينَ فِي خُرُوجِهِ، لَا يَلْبَثُونَ بَعْدَهُ بِمَكَّةَ إِلَّا قَلِيلًا.
وَالسُّنَّةُ: الْعَادَةُ وَالسِّيرَةُ الَّتِي يَلْتَزِمُهَا صَاحِبُهَا. وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي أَنَّهَا اسْمٌ جَامِدٌ أَوِ اسْمُ مَصْدَرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [آل عمرَان: ١٣٦] ، أَيْ عَادَةُ اللَّهِ فِي كُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute