للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَسُولٍ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ أَنْ لَا يَبْقَوْا بَعْدَهُ، خَرَجَ هُودٌ مِنْ دِيَارِ عَادٍ إِلَى مَكَّةَ، وَخَرَجَ صَالِحٌ مِنْ دِيَارِ ثَمُودَ، وَخَرَجَ إِبْرَاهِيمُ وَلُوطٌ وَهَلَكَتْ أَقْوَامُهُمْ، فَإِضَافَةُ سُنَّةَ إِلَى مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، أَيْ سُنَّتُنَا فِيهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا فَإِضَافَتُهُ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ هِيَ الْإِضَافَةُ الْحَقِيقِيَّةُ.

وَانْتَصَبَ سُنَّةَ من مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ. فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةَ اسْمَ مَصْدَرٍ فَهُوَ بَدَلٌ مِنْ فِعْلِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: سَنَنَّا ذَلِكَ لِمَنْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا، أَيْ لِأَجْلِهِمْ. فَلَمَّا عَدَلَ عَنِ الْفِعْلِ إِلَى الْمَصْدَرِ أُضِيفَ الْمَصْدَرُ إِلَى الْمُتَعَلِّقِ بِالْفِعْلِ إِضَافَةَ الْمَصْدَرِ إِلَى مَفْعُولِهِ عَلَى التَّوَسُّعِ وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةَ اسْمًا جَامِدًا فَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ لِتَأْوِيلِهِ بِمَعْنًى اشْتِقَاقِيٍّ.

وَجُمْلَةُ سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِبَيَانِ سَبَبِ كَوْنِ لُبْثِهِمْ بَعْدَهُ قَلِيلًا. وَإِنَّمَا سَنَّ اللَّهُ هَذِهِ السُّنَّةَ لِرُسُلِهِ لِأَنَّ تَآمُرَ الْأَقْوَامِ عَلَى إِخْرَاجِهِمْ يَسْتَدْعِي حِكْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنْ تَتَعَلَّقَ إِرَادَتُهُ بِأَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِالْهِجْرَةِ لِئَلَّا يَبْقَوْا مَرْمُوقِينَ بِعَيْنِ الْغَضَاضَةِ بَيْنَ قَوْمِهِمْ وَأَجْوَارِهِمْ بِشِبْهِ مَا كَانَ يُسَمَّى بِالْخَلْعِ عِنْدَ الْعَرَبِ.

وَجُمْلَةُ وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا اعْتِرَاضٌ لِتَكْمِلَةِ الْبَيَانِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّنَا أَجْرَيْنَاهُ عَلَى الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَلِأَنَّ عَادَتَنَا لَا تَتَحَوَّلُ.

وَالتَّعْبِيرُ ب لَا تَجِدُ مُبَالَغَةٌ فِي الِانْتِفَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٧] .

وَالتَّحْوِيلُ: تَغْيِيرُ الْحَالِ وَهُوَ التَّبْدِيلُ. وَمِنْ غَرِيبِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ: أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيءِ الْحَقْ بِأَرْضِ الشَّامِ فَإِنَّهَا أَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ فَصَدَّقَ النَّبِيءُ قَوْلَهُمْ فَغَزَا غَزْوَةَ تَبُوكَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الشَّامَ فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكَ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ