للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِمْ شَيْئًا، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ مَقَامِي، فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْي قَالَ: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ

الْآيَةَ. فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ:

أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا سَأَلُوا النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظَنَّ النَّبِيءُ أَنَّهُمْ أَقْرَبُ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى فهم معنى الرُّوحِ فَانْتَظَرَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بِمَا يُجِيبُهُمْ بِهِ أَبْيَنَ مِمَّا أَجَابَ بِهِ قُرَيْشًا، فَكَرَّرَ اللَّهُ تَعَالَى إِنْزَالَ الْآيَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِمَكَّةَ أَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَتْلُوَهَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمَ أَنَّهُمْ وَقُرَيْشًا سَوَاءٌ فِي الْعَجْزِ عَنْ إِدْرَاكِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ أَوْ أَنَّ الْجَوَابَ لَا يَتَغَيَّرُ.

هَذَا، وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي: أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ السِّيَرِ تَخْلِيطًا، وَأَنَّ قُرَيْشًا اسْتَقَوْا مِنَ

الْيَهُودِ شَيْئًا وَمِنَ النَّصَارَى شَيْئًا فَقَدْ كَانَتْ لِقُرَيْشٍ مُخَالَطَةٌ مَعَ نَصَارَى الشَّامِ فِي رِحْلَتِهِمُ الصَّيْفِيَّةِ إِلَى الشَّامِ، لِأَنَّ قِصَّةَ أَهْلِ الْكَهْفِ لَمْ تَكُنْ مِنْ أُمُورِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِنَّمَا هِيَ من شؤون النَّصَارَى، بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكَهْفِ كَانُوا نَصَارَى كَمَا سَيَأْتِي فِي سُورَةِ الْكَهْفِ، وَكَذَلِكَ قِصَّةُ ذِي الْقَرْنَيْنِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِسْكَنْدَرَ الْمَقْدُونِيَّ يَظْهَرُ أَنَّهَا مِمَّا عُنِيَ بِهِ النَّصَارَى لِارْتِبَاطِ فُتُوحَاتِهِ بِتَارِيخِ بِلَادِ الرُّومِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْيَهُودَ مَا لَقَّنُوا قُرَيْشًا إِلَّا السُّؤَالَ عَنِ الرُّوحِ. وَبِهَذَا يَتَّضِحُ السَّبَبُ فِي إِفْرَادِ السُّؤَالِ عَنِ الرُّوحِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَذِكْرُ الْقِصَّتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ. عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَكَرَّرَ السُّؤَالُ فِي مُنَاسَبَاتٍ وَذَلِكَ شَأْنُ الَّذِينَ مَعَارِفُهُمْ مَحْدُودَةٌ فَهُمْ يُلْقُونَهَا فِي كُلِّ مَجْلِسٍ.

وَسُؤَالُهُمْ عَنِ الرُّوحِ مَعْنَاهُ أَنهم سَأَلُوا عَنْ بَيَانِ مَاهِيَّةِ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِالرُّوحِ وَالَّتِي يَعْرِفُ كُلُّ أَحَدٍ بِوَجْهِ الْإِجْمَالِ أَنَّهَا حَالَّةٌ فِيهِ.

وَالرُّوحُ: يُطْلَقُ عَلَى الْمَوْجُودِ الْخَفِيِّ الْمُنْتَشِرِ فِي سَائِرِ الْجَسَدِ الْإِنْسَانِيِّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ آثَارُهُ مِنَ الْإِدْرَاكِ وَالتَّفْكِيرِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَقَوَّمُ فِي الْجَسَدِ الْإِنْسَانِيِّ حِينَ يَكُونُ جَنِينًا بَعْدَ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى نُزُولِ النُّطْفَةِ فِي الرَّحِمِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا. وَهَذَا الْإِطْلَاقُ هُوَ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [ص: ٧٢] . وَهَذَا يُسَمَّى أَيْضًا بِالنَّفْسِ كَقَوْلِهِ: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الْفجْر: ٢٧] .