للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيُطْلَقُ الرُّوحُ عَلَى الْكَائِنِ الشَّرِيفِ الْمُكَوَّنِ بِأَمْرٍ إِلَهِيٍّ بِدُونِ سَبَبٍ اعْتِيَادِيٍّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: ٥٢] وَقَوْلُهُ: وَرُوحٌ مِنْهُ [النِّسَاء: ١٧١] .

وَيُطْلَقُ لَفْظُ (الرُّوحِ) عَلَى الْمَلَكِ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْوَحْيِ عَلَى الرُّسُلِ. وَهُوَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمِنْهُ قَوْلُهُ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ [الشُّعَرَاء: ١٩٣] .

وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الرُّوحِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا مَا هُوَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ.

فَالْجُمْهُورُ قَالُوا: الْمَسْئُولُ عَنْهُ هُوَ الرُّوحُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، قَالُوا لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الْمُشْكِلُ الَّذِي لَمْ تَتَّضِحْ حَقِيقَتُهُ، وَأَمَّا الرُّوحُ بِالْمَعْنَيَيْنِ الْآخَرِينَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ عَنْهُ سُؤَالًا عَنْ مَعْنَى مُصْطَلَحٍ قُرْآنِيٍّ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوا عَنِ الرُّوحِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَارِدُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِمْ وَهُوَ سِفْرُ التَّكْوِينِ مِنَ التَّوْرَاةِ لِقَوْلِهِ فِي الْإِصْحَاحِ الْأَوَّلِ «وَرُوحُ اللَّهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ» . وَلَيْسَ الرُّوحُ بِالْمَعْنَيَيْنِ الْآخَرَيْنِ بِوَارِدٍ فِي كُتُبِهِمْ.

وَعَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ: أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ جِبْرِيلَ، وَالْأَصَحُّ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ.

وَفِي «الرَّوْضِ الْأُنُفِ» أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَهُمْ مَرَّةً، فَقَالَ لَهُمْ: هُوَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-

. وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ.

وَإِنَّمَا سَأَلُوا عَنْ حَقِيقَةِ الرُّوحِ وَبَيَانِ مَاهِيَّتِهَا، فَإِنَّهَا قَدْ شَغَلَتِ الْفَلَاسِفَةَ وَحُكَمَاءَ الْمُتَشَرِّعِينَ، لِظُهُورِ أَنَّ فِي الْجَسَدِ الْحَيِّ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى الْجِسْمِ، بِهِ يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُدْرِكًا وَبِزَوَالِهِ يَصِيرُ الْجِسْمُ مَسْلُوبَ الْإِرَادَةِ وَالْإِدْرَاكِ، فَعُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ فِي الْجِسْمِ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ غَيْرَ مُشَاهَدٍ إِذْ قَدْ ظَهَرَ بِالتَّشْرِيحِ أَنَّ جِسْمَ الْمَيِّتِ لَمْ يَفْقِدْ شَيْئًا مِنَ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ.

وَإِذْ قَدْ كَانَتْ عُقُولُ النَّاسِ قَاصِرَةً عَنْ فَهْمِ حَقِيقَةِ الرُّوحِ وَكَيْفِيَّةِ اتِّصَالِهَا بِالْبَدَنِ وَكَيْفِيَّةِ انْتِزَاعِهَا مِنْهُ وَفِي مَصِيرِهَا بَعْدَ ذَلِكَ الِانْتِزَاعِ، أُجِيبُوا بِأَنَّ