الْمَفْعُولِ بِاللَّامِ، قَالَ تَعَالَى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يُوسُف: ١٧] وَقَالَ: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت:
٢٦] . وَهَذِهِ اللَّامُ مِنْ قَبِيلِ مَا سَمَّاهُ فِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ» لَامَ التَّبْيِينِ. وَغَفَلَ عَنِ التَّمْثِيلِ لَهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ مَجْرُورَ اللَّامِ بَعْدَ فِعْلِ نُؤْمِنَ مَفْعُولٌ لَا الْتِبَاسَ لَهُ بِالْفَاعِلِ وَإِنَّمَا تُذْكَرُ اللَّامُ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ وَالتَّوْكِيدِ. وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهَا لِدَفْعِ الْتِبَاسِ مَفْعُولِ فِعْلِ «آمَنَ» بِمَعْنَى صَدَّقَ بِمَفْعُولِ فِعْلِ (آمَنَ) إِذَا جَعَلَهُ أَمِينًا. وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ فِي سُورَةِ يُونُسَ: [٨٣] .
وَالْيَنْبُوعُ: اسْمٌ لِلْعَيْنِ الْكَثِيرَةِ النَّبْعِ الَّتِي لَا يَنْضُبُ مَاؤُهَا. وَصِيغَةُ يَفْعُولٍ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ
غَيْرُ قِيَاسِيَّةٍ، وَالْيَنْبُوعُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ مَادَّةِ النَّبْعِ غَيْرَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الْوَارِدَةَ عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ مُخْتَلِفَةٌ، فَبَعْضُهَا ظَاهِرٌ اشْتِقَاقُهُ كَالْيَنْبُوعِ وَالْيَنْبُوتِ، وَبَعْضُهَا خَفِيٌّ كَالْيَعْبُوبِ لِلْفَرَسِ الْكَثِيرِ الْجَرْيِ. وَقِيلَ: اشْتُقَّ مِنَ الْعَبِّ الْمَجَازِيِّ. وَمِنْهُ أَسْمَاءٌ مُعَرَّبَةٌ جَاءَ تَعْرِيبُهَا عَلَى وَزْنِ يَفْعُولٍ مِثْلَ يَكْسُومَ اسْمِ قَائِدٍ حَبَشِيٍّ، وَيَرْمُوكَ اسْمِ نَهْرٍ. وَقَدِ اسْتَقْرَى الْحَسَنُ الصَّاغَانِيُّ مَا جَاءَ مِنَ الْكَلِمَاتِ فِي الْعَرَبِيَّةِ عَلَى وَزْنِ يَفْعُولٍ فِي مُخْتَصَرٍ لَهُ مُرَتَّبٍ على حُرُوف المعجم. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي «الْمُزْهِرِ» : إِنَّ ابْنَ دُرَيْدٍ عَقَدَ لَهُ فِي «الْجَمْهَرَةِ» بَابًا.
وَالْجَنَّةُ، وَالنَّخِيلُ، وَالْعِنَبُ، وَالْأَنْهَارُ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦٦] .
وَخَصُّوا هَذِهِ الْجَنَّةَ بِأَنْ تَكُونَ لَهُ، لِأَنَّ شَأْنَ الْجَنَّةِ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً لِمِلْكِ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، فَأَرَوْهُ أَنَّهُمْ لَا يَبْتَغُونَ مِنْ هَذَا الِاقْتِرَاحِ نَفْعَ أَنْفُسِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ يَبْتَغُونَ حُصُولَهُ وَلَوْ كَانَ لِفَائِدَةِ الْمُقْتَرَحِ عَلَيْهِ. وَالْمُقْتَرَحُ هُوَ تَفْجِيرُ الْمَاءِ فِي الْأَرْضِ الْقَاحِلَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا وُجُودَ الْجَنَّةِ تَمْهِيدًا لِتَفْجِيرِ أَنْهَارٍ خِلَالَهَا فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: حَتَّى تُفَجِّرَ لَنَا يَنْبُوعًا يَسْقِي النَّاسَ كُلَّهُمْ، أَوْ تُفَجِّرَ أَنْهَارًا تَسْقِي جَنَّةً وَاحِدَةً تَكُونُ تِلْكَ الْجَنَّةُ وَأَنْهَارُهَا لَكَ. فَنَحْنُ مُقْتَنِعُونَ بِحُصُولِ ذَلِكَ لَا بُغْيَةَ الِانْتِفَاعِ مِنْهُ. وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ: أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute