للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذَكَرَ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ بِقَوْلِهِ: تَفْجِيراً لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّكْثِيرِ لِأَنَّ تَفْجُرَ قَدْ كَفَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْفَجْرِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِمَفْعُولِهِ الْمُطْلَقِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْعَدَدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الْإِسْرَاء: ١٠٦] ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ:

خِلالَها، لِأَنَّ الْجَنَّةَ تَتَخَلَّلُهَا شُعَبُ النَّهْرِ لِسَقْيِ الْأَشْجَارِ. فَجَمَعَ الْأَنْهَارَ بِاعْتِبَارِ تَشَعُّبِ مَاءِ النَّهْرِ إِلَى شُعَبٍ عَدِيدَةٍ. وَيَدُلُّ لِهَذَا الْمَعْنَى إِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ عَلَى قِرَاءَةِ فَتُفَجِّرَ هُنَا بِالتَّشْدِيدِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الَّذِي قَبْلَهُ. وَهَذَا مِنْ لَطَائِفِ مَعَانِي الْقِرَاءَاتِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ مِنْ أَفَانِينِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ.

وَقَوْلُهُمْ: أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً انْتِقَالٌ مِنْ تَحَدِّيهِ بِخَوَارِقَ فِيهَا مَنَافِعُ لَهُمْ إِلَى تَحَدِّيهِ بِخَوَارِقَ فِيهَا مَضَرَّتُهُمْ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ التَّوْسِيعَ عَلَيْهِ، أَيْ فَلْيَأْتِهِمْ بِآيَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ فِي مَضَرَّتِهِمْ. وَهَذَا حِكَايَةٌ لِقَوْلِهِمْ كَمَا قَالُوا. وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ الْإِغْرَاقَ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ ذَلِكَ فَجَمَعُوا بَيْنَ جَعْلِ الْإِسْقَاطِ لِنَفْسِ السَّمَاءِ. وَعَزَّزُوا تَعْجِيبَهُمْ بِالْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ وَهِيَ كَما زَعَمْتَ إِنْبَاءً بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُصَدِّقُ بِهِ أَحَدٌ. وَعَنَوْا بِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى:

إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ [سبأ: ٩] وَبِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ [الطّور: ٤٤] ، إِذْ هُوَ تَهْدِيدٌ لَهُمْ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَإِشْرَافِهِمْ عَلَى الْحِسَابِ. وَجَعَلُوا (مِنْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كِسَفاً مِنَ السَّماءِ [الطّور: ٤٤] تَبْعِيضِيَّةً، أَيْ قِطْعَةً مِنَ الْأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ، فَلِذَلِكَ أَبَوْا تَعْدِيَةَ فِعْلِ تُسْقِطَ إِلَى ذَاتِ السَّمَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ هَاتَانِ الْآيَتَانِ أَوْ إِحْدَاهَا نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ وَلَيْسَ ذَلِك بمستبعد.

و «الكسف» - بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ السِّينِ- جَمْعُ كِسْفَةٍ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ. وَكَذَلِكَ قَرَأَهُ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ. وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ- بِسُكُونِ السِّينِ- بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَيِ الْمَكْسُوفِ بِمَعْنَى الْمَقْطُوعِ.