للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حِكَايَةً كَلَامُهُمْ بِالِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ. وَإِحَالَتُهُمْ ذَلِكَ مُسْتَنِدَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ صَارُوا عِظَامًا وَرُفَاتًا، أَي بتعذر إِعَادَة خَلْقِ أَمْثَالِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ، وَلَمْ يَسْتَدِلُّوا بِدَلِيلٍ آخَرَ، فَكَانَ تَمْثِيلُ خَلْقِ أَجْسَامٍ مِنْ أَجْزَاءٍ بَالِيَةٍ بِخَلْقِ أَشْيَاءَ أَعْظَمَ مِنْهَا مِنْ

عَدَمٍ أَوْغَلَ فِي الْفَنَاءِ دَلِيلًا يَقْطَعُ دَعْوَاهُمْ.

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَوَلَمْ يَرَوْا إِنْكَارِيٌّ مَشُوبٌ بِتَعْجِيبٍ مِنِ انْتِفَاءِ عِلْمِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَمَّا جَرَتْ عَقَائِدُهُمْ عَلَى اسْتِبْعَادِ الْبَعْثِ كَانُوا بِحَالِ مَنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ دَلَائِلُ قُدْرَةِ الله تَعَالَى، فيؤول الْكَلَامُ إِلَى إِثْبَاتِ أَنَّهُمْ عَلِمُوا ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

وَالرُّؤْيَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الِاعْتِقَادِ لِأَنَّهَا عُدِّيَتَ إِلَى كَوْنِ اللَّهِ قَادِرًا، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنَ المبصرات. وَالْمعْنَى: أَو لم يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ.

وَضَمِيرُ مِثْلَهُمْ عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ يَرَوْا وَهُوَ النَّاسَ فِي قَوْلِهِ:

وَما مَنَعَ النَّاسَ [الْإِسْرَاء: ٩٤] أَيِ الْمُشْرِكِينَ.

وَالْمِثْلُ: الْمُمَاثِلُ، أَيْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ نَاسًا أَمْثَالَهُمْ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إِثْبَاتِ إِعَادَةِ أَجْسَامِ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِمْ لَا فِي أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا آخَرَ، وَيَكُونُ فِي الْآيَةِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْبَعْثَ إِعَادَةُ أَجْسَامٍ أُخْرَى عَنْ عَدَمٍ، فَيُخْلَقُ لِكُلِّ مَيِّتٍ جَسَدٌ جَدِيدٌ عَلَى مِثَالِ جَسَدِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا وَتُوضَعُ فِيهِ الرُّوحُ الَّتِي كَانَتْ لَهُ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ «مِثْلَ» هُنَا كِنَايَةً عَنْ نَفْسِ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ: مِثْلُكَ لَا يَبْخَلُ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١] عَلَى أَحَدِ تَأْوِيلَيْنِ فِيهِ، أَيْ عَلَى جَعْلِ الْكَافِ الدَّاخِلَةِ عَلَى لَفْظِ «مِثْلِهِ» غَيْرَ زَائِدَةٍ. وَالْمَعْنَى: قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَهُمْ، أَيْ أَنْ يُعِيدَ خَلْقَهُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأَعْجَبَ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.

وَلِعُلَمَائِنَا طُرُقٌ فِي إِعَادَةِ الْأَجْسَامِ عِنْدَ الْبَعْثِ فَقِيلَ: تَكُونُ الْإِعَادَةُ عَنْ عَدَمٍ، وَقِيلَ تكون عَن جمع مَا تَفَرَّقَ مِنَ الْأَجْسَامِ. وَقِيلَ: يَنْبُتُ مِنْ عَجْبِ