ذَنَبِ كُلِّ شَخْصٍ جَسَدٌ جَدِيدٌ مُمَاثِلٌ لِجَسَدِهِ كَمَا تَنْبُتُ مِنَ النَّوَاةِ شَجَرَةٌ مُمَاثِلَةٌ لِلشَّجَرَةِ الَّتِي أَثْمَرَتْ ثَمَرَةَ تِلْكَ النَّوَاةِ.
وَوَصْفُ اسْمِ الْجَلَالَةِ بِالْمَوْصُولِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ، وَهُوَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَمْرٌ مُشَاهَدٌ مَعْلُومٌ، وَكَوْنُهُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ لَا يُنَازِعُونَ فِيهِ.
وَجُمْلَةُ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ أَوَلَمْ يَرَوْا لِتَأْوِيلِهَا بِمَعْنَى قَدْ رَأَوْا ذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُمْ عُقُولٌ، أَيْ تَحَقَّقُوا أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ الْخَلْقِ وَقَدْ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ.
وَالْأَجْلُ: الزَّمَانُ الْمَجْعُولُ غَايَةً يُبْلَغُ إِلَيْهَا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. وَشَاعَ إِطْلَاقُهُ عَلَى امْتِدَادِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ الْمُدَّةُ الْمُقَدَّرَةُ لِكُلِّ حَيٍّ بِحَسَبِ مَا أَوْدَعَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ سَلَامَةِ آلَاتِ الْجِسْمِ، وَمَا عَلِمَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُ فَتَخْرِمُ بَعْضَ تِلْكَ السَّلَامَةِ أَوْ تُقَوِّيهَا.
وَالْأَجَلُ هُنَا مُحْتَمِلٌ لِإِرَادَةِ الْوَقْتِ الَّذِي جُعِلَ لِوُقُوعِ الْبَعْثِ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَوَجْهُ كَوْنِ هَذَا الْجَعْلِ لَهُمْ أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يُبْعَثُ حِينَئِذٍ، فَتَخْصِيصُهُمْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ، وَالْمَعْنَى: وَجَعَلَ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ أَجَلًا.
وَمَعْنَى كَوْنِ الْأَجَلِ لَا رَيْبَ فِيهِ: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي فِيهِ: رَيْبٌ، وَأَنَّ رَيْبَ الْمُرْتَابِينَ فِيهِ مُكَابَرَةٌ أَوْ إِعْرَاضٌ عَنِ النَّظَرِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ [الْبَقَرَة:
٢] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ أَجْلَ الْحَيَاةِ، أَيْ وَجُعِلَ لِحَيَاتِهِمْ أَجَلًا، فَيَكُونَ اسْتِدْلَالًا ثَانِيًا عَلَى الْبَعْثِ، أَيْ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لِحَيَاتِهِمْ، فَمَا أَوَجَدَهُمْ وَأَحْيَاهُمْ وَجَعَلَ لِحَيَاتِهِمْ أَجَلًا إِلَّا لِأَنَّهُ سَيُعِيدُهُمْ إِلَى حَيَاةٍ أُخْرَى،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute