بِأَهْلِ مَكَّةَ مِنَ التُّجَّارِ الْوَارِدَيْنِ إِلَى مَكَّةَ أَوْ مِنَ الرُّهْبَانِ الَّذِينَ فِي الْأَدْيِرَةِ الْوَاقِعَةِ فِي طَرِيقِ رِحْلَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ وَهِيَ رِحْلَةُ الصَّيْفِ.
وَمَحَلُّ التَّعَجُّبِ هُوَ قَوْلُهُ: مِنْ آياتِنا، أَيْ مِنْ بَيْنِ آيَاتِنَا الْكَثِيرَةِ الْمُشَاهَدَةِ لَهُمْ وَهُمْ لَا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا وَيَقْصُرُونَ تَعَجُّبَهُمْ عَلَى أَمْثَالِ هَذِه الخوارق فيؤول الْمَعْنَى إِلَى أَنَّ أَهْلَ الْكَهْفِ لَيْسُوا هُمُ الْعَجَبُ مِنْ بَيْنِ الْآيَاتِ الْأُخْرَى، بَلْ عَجَائِبُ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ حَالِ أَهْلِ الْكَهْفِ وَمِنْهَا مَا يُسَاوِيهَا.
فَمَعْنَى (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ آياتِنا التَّبْعِيضُ، أَيْ لَيْسَتْ قِصَّةُ أَهْلِ الْكَهْفِ مُنْفَرِدَةً بِالْعَجَبِ مِنْ بَيْنِ الْآيَاتِ الْأُخْرَى، كَمَا تَقُولُ: سَأَلَ فُلَانًا فَهُوَ الْعَالِمُ مِنَّا، أَيِ الْمُنْفَرِدُ بِالْعِلْمِ مِنْ بَيْنِنَا.
وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهَا لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ، أَيْ كَانُوا عَجَبًا فِي آيَاتِنَا، أَيْ وَبَقِيَّةُ الْآيَاتِ لَيْسَتْ عَجَبًا. وَهَذَا نِدَاءٌ عَلَى سُوءِ نَظَرِهِمْ إِذْ يُعَلِّقُونَ اهْتِمَامَهُمْ بِأَشْيَاءَ نَادِرَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِمْ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ أَجْدَرُ بِالِاهْتِمَامِ.
وَأَخْبَرَ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ بِالْعَجَبِ وَإِنَّمَا الْعَجَبُ حَالُهُمْ فِي قَوْمِهِمْ، فَثَمَّ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ.
وَأَخْبَرَ عَنْ حَالِهِمْ بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً، وَالْمُرَادُ عَجِيبٌ.
وَالْكَهْفُ: الشَّقُّ الْمُتَّسِعُ الْوَسَطِ فِي جَبَلٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّسِعًا فَهُوَ غَارٌ.
وَالرَّقِيمُ: فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنَ الرَّقْمِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ. فَالرَّقِيمُ كِتَابٌ كَانَ مَعَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فِي كَهْفِهِمْ. قِيلَ: كَتَبُوا فِيهِ مَا كَانُوا يَدِينُونَ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ، وَقِيلَ: هُوَ كِتَابُ دِينِهِمْ، دِينٍ كَانَ قَبْلَ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَقِيلَ: هُوَ دِينُ عِيسَى، وَقِيلَ: كَتَبُوا فِيهِ الْبَاعِثَ الَّذِي بَعَثَهُمْ عَلَى الِالْتِجَاءِ إِلَى الْكَهْفِ فِرَارًا مِنْ كُفْرِ قَوْمِهِمْ.
وَابْتَدَأَ الْقُرْآنُ مِنْ قِصَّتِهِمْ بِمَحَلِ الْعِبْرَةِ الصَّادِقَةِ والقدوة الصَّالِحَة مِنْهُ، وَهُوَ الْتِجَاؤُهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ وَاسْتِجَابَتُهُ لَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute