للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْأَمْرُ هُنَا: الشَّأْنُ وَالْحَالُ الَّذِي يَكُونُونَ فِيهِ، وَهُوَ مَجْمُوعُ الْإِيمَانِ وَالِاعْتِصَامِ إِلَى مَحَلِّ الْعُزْلَةِ عَنْ أَهْلِ الشِّرْكِ. وَقَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْأَحْوَالِ مَا بِهِ رُشْدُهُمْ. فَمِنْ ذَلِكَ صَرْفُ أَعْدَائِهِمْ عَنْ تَتَبُّعِهِمْ، وَأَنْ أَلْهَمَهُمْ مَوْضِعَ الْكَهْفِ، وَأَنْ كَانَ وَضْعُهُ عَلَى جِهَةٍ صَالِحَةٍ بِبَقَاءِ أَجْسَامِهِمْ سَلِيمَةً، وَأَنْ أَنَامَهُمْ نَوْمًا طَوِيلًا لِيَمْضِيَ عَلَيْهِمُ الزَّمَنُ الَّذِي تَتَغَيَّرُ فِيهِ أَحْوَالُ الْمَدِينَةِ، وَحَصَلَ رُشْدُهُمْ إِذْ ثَبَتُوا عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَشَاهَدُوهُ مَنْصُورًا مُتَّبَعًا، وَجَعَلَهُمْ آيَةً لِلنَّاسِ عَلَى صِدْقِ الدِّينِ وَعَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ وَعَلَى الْبَعْثِ.

وَالرَّشَدُ- بِفَتْحَتَيْنِ-: الْخَيْرُ وَإِصَابَةُ الْحَقِّ وَالنَّفْعُ وَالصَّلَاحُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي سُورَةِ الْجِنِّ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْمَعَانِي. وَالرُّشْدُ- بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ- مُرَادِفُ الرَّشَدِ. وَغُلِّبَ فِي حُسْنِ تَدْبِيرِ الْمَالِ. لم يُقْرَأْ هَذَا اللَّفْظُ هُنَا فِي الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ إِلَّا- بِفَتْحِ الرَّاءِ- بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فِي الْبَقَرَةِ [٢٥٦] ، وَقَوْلِهِ: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٦] فَلَمْ يُقْرَأْ فِيهِمَا إِلَّا- بِضَمِّ الرَّاءِ-.

وَوَجْهُ إِيثَارِ- مَفْتُوحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ- فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي قَوْلِهِ الْآتِي: وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً [الْكَهْف: ٢٤] : أَنَّ تَحْرِيكَ الْحَرْفَيْنِ فِيهِمَا أَنْسَبُ بِالْكَلِمَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي قَرَائِنِ الْفَوَاصِلِ أَلَا تَرَى أَن الْجُمْهُور قرؤوا قَوْلَهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [الْكَهْف: ٦٦]- بِضَمِّ الرَّاءِ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِالْقَرَائِنِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُ وَهِيَ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الْكَهْف: ٦٥]- مَعِيَ صَبْراً

[الْكَهْف: ٦٧]- مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً [الْكَهْف: ٦٨]- وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً [الْكَهْف: ٦٩] إِلَى آخِرِهِ. وَلَمْ يَقْرَأْهُ هُنَالِكَ- بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ- إِلَّا أَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب.