للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَكَذلِكَ إِلَى الْمَذْكُورِ مِنْ إِنَامَتِهِمْ وَكَيْفِيَّتِهَا، أَيْ كَمَا أَنَمْنَاهُمْ قُرُونًا بَعَثْنَاهُمْ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ: أَنَّ فِي الْإِفَاقَةِ آيَةً عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلَ آيَةِ الْإِنَامَةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَشْبِيهُ الْبَعْثِ الْمَذْكُورِ بِنَفْسِهِ للْمُبَالَغَة فِي التعجيب كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَة: ١٤٣] .

وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى الْبَعْثِ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفِي حُسْنِ مَوْقِعِ لَفْظِ الْبَعْثِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَفِي التَّعْلِيلِ من قَوْله: لِيَتَسائَلُوا عِنْدَ قَوْلِهِ: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى [الْكَهْف: ١٢] . وَالْمَعْنَى: بَعَثْنَاهُمْ فَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ.

وَجُمْلَةُ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ بَيَان لجملة لِيَتَسائَلُوا. وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْمُحَاوَرَةُ تَسَاؤُلًا لِأَنَّهَا تَحَاوُرٌ عَنْ تَطَلُّبِ كُلٍّ رَأْيَ الْآخَرِ لِلْوُصُولِ إِلَى تَحْقِيقِ الْمُدَّةِ. وَالَّذِينَ قَالُوا: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ هُمْ مَنْ عَدَا الَّذِي قَالَ: كَمْ لَبِثْتُمْ.

وَأَسْنَدَ الْجَوَابَ إِلَى ضَمِيرِ جَمَاعَتِهِمْ: إِمَّا لأَنهم تواطؤوا عَلَيْهِ، وَإِمَّا عَلَى إِرَادَةِ التَّوْزِيعِ، أَيْ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَبِثْنَا يَوْمًا، وَمِنْهُمْ قَالَ: لَبِثْنَا بَعْضَ يَوْمٍ. وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (أَوْ) لِلتَّقْسِيمِ فِي الْقَوْلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ، أَيْ لَمَّا اخْتَلَفُوا رَجَعُوا فَعَدَلُوا عَنِ الْقَوْلِ بِالظَّنِّ إِلَى تَفْوِيضِ الْعِلْمِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ إِيمَانِهِمْ. فَالْقَائِلُونَ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعَهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ فَأُسْنِدَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ صَوَابًا.

وَتَفْرِيعُ قَوْلِهِمْ: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَدَعُوا الْخَوْضَ فِي مُدَّةِ اللُّبْثِ فَلَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ وَخُذُوا فِي شَيْءٍ آخَرَ مِمَّا يَهُمُّكُمْ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ. وَهُوَ تَلَقِّي السَّائِلِ بِغَيْرِ مَا يَتَطَلَّبُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى بِحَالِهِ، وَلَوْلَا قَوْلُهُمْ: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ لَكَانَ قَوْلُهُمْ: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ عَيْنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ.