الثَّابِتِ فَلَمْ تَمْنَعْ مِنَ الْإِدْغَامِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْهُ مَا هُوَ مَحْذُوفٌ لِعِلَّةِ بِنَاءٍ عَلَى أَنَّ الْمَحْذُوفَ لِعِلَّةٍ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ، وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى نُونِ (لَكِنِ) السَّاكِنَةِ دَلِيلًا عَلَى الْمَحْذُوفِ فَالْتَقَى نُونَانِ مُتَحَرِّكَتَانِ فَلَزِمَ إِدْغَامُهُمَا فَصَارَ (لَكْنَا) . وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (لَكِنَّ) الْمُشَدَّدَةَ النُّونِ الْمَفُتُوحَتَهَا أُشْبِعَتْ فَتْحَتُهَا، لِأَنَّ لَكِنَّ الْمُشَدَّدَةَ مِنْ أَخَوَاتِ إِنَّ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ بَعْدَهَا مَنْصُوبًا وَلَيْسَ هُنَا مَا هُوَ ضَمِيرُ نَصْبٍ، وَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ ضَمِيرِ (أَنَا) ضَمِيرَ نَصْبِ اسْمِ (لَكِنَّ) لِأَنَّ ضَمِيرَ الْمُتَكَلِّمِ الْمَنْصُوبِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَلَا اعْتِبَارُهُ ضَمِيرَ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارِكِ لِمُنَافَاتِهِ لِإِفْرَادِ ضَمَائِرِهِ بَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ: هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً.
(فَأَنَا) مُبْتَدَأٌ، وَجُمْلَةُ هُوَ اللَّهُ رَبِّي ضَمِيرُ شَأْنٍ وَخَبَرُهُ، وَهِيَ خَبَرُ (أَنَا) ، أَيْ شَأْنِي هُوَ اللَّهُ رَبِّي. وَالْخَبَرُ فِي قَوْلِهِ: هُوَ اللَّهُ رَبِّي مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِقْرَارِ، أَيْ أَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ رَبِّي خِلَافًا لَكَ.
وَمَوْقِعُ الِاسْتِدْرَاكِ مُضَادَّةُ مَا بَعْدَ (لَكِنْ) لما قبلهَا، وَلَا سِيمَا إِذَا كَانَ الرَّجُلَانِ أَخَوَيْنِ أَوْ خَلِيلَيْنِ كَمَا قِيلَ فَإِنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ اعْتِقَادَهُمَا سَوَاءٌ.
وَأَكَّدَ إِثْبَاتَ اعْتِرَافِهِ بِالْخَالِقِ الْوَاحِدِ بِمُؤَكِّدَاتٍ أَرْبَعَةٍ، وَهِيَ: الْجُمْلَتَانِ الِاسْمِيَّتَانِ، وَضَمِيرُ الشَّأْنِ فِي قَوْلِهِ: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي، وَتَعْرِيفُ الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِي قَوْله:
اللَّهُ رَبِّي الْمُفِيدِ قَصْرَ صِفَةِ رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ قَصْرًا إِضَافِيًّا بِالنِّسْبَةِ لِمُخَاطِبِهِ، أَيْ دُونَكَ إِذْ تَعْبُدُ آلِهَةً غَيْرَ اللَّهِ، وَمَا الْقَصْرُ إِلَّا تَوْكِيدٌ مُضَاعَفٌ، ثُمَّ بِالتَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ لِلْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ: وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً.
وَعَطْفُ جُمْلَةِ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ عَلَى جُمْلَةِ أَكَفَرْتَ عَطْفُ إِنْكَارٍ عَلَى إِنْكَارٍ.
وَ (لَوْلَا) لِلتَّوْبِيخِ، كَشَأْنِهَا إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي، نَحْو لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ
شُهَداءَ
[النُّور: ١٣] ، أَيْ كَانَ الشَّأْنُ أَنْ تَقُولَ مَا شاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ عِوَضَ قَوْلِكَ: مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً [الْكَهْف: ٣٦] . وَالْمَعْنَى:
أَكَفَرْتَ بِاللَّهِ وَكَفَرْتَ نِعْمَتَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute