وَقَالَ لَبِيدٌ:
أَلَيْسَ وَرَائِي أَنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِي ... لُزُومَ الْعَصَا تُحْنَى عَلَيْهَا الْأَصَابِعُ
وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فَسَّرُوا وَراءَهُمْ مَلِكٌ بِمَعْنَى أَمَامَهُمْ مَلِكٌ، فَتَوَهَّمَ بَعْضُ مُدَوِّنِي اللُّغَةِ أَنَّ (وَرَاءَ) مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ، وَأَنْكَرَهُ الْفَرَّاءُ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِلَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ هُوَ وَرَاءَكَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاقِيتِ مِنَ اللَّيَالِي تَقُولُ: وَرَاءَكَ بَرْدٌ شَدِيدٌ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ بَرْدٌ شَدِيدٌ. يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمَجَازِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَلَيْسَ مِنَ الْأَضْدَادِ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ.
وَمَعْنَى كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً أَيْ صَالِحَةٍ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي تَعْيِينِ هَذَا الْمَلِكِ وَسَبَبِ أَخْذِهِ لِلسُّفُنِ قَصَصًا وَأَقْوَالًا لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْهَا بِعَيْنِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ فِي مَقَامِ الْعِبْرَةِ.
وَجُمْلَةُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ جُمْلَتَيْ فَكانَتْ لِمَساكِينَ، ووَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ، فَكَانَ حَقُّهَا التَّأْخِيرَ عَنْ كِلْتَا الْجُمْلَتَيْنِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَلَكِنَّهَا قُدِّمَتْ خِلَافًا لِمُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِقَصْدِ الِاهْتِمَامِ وَالْعِنَايَةِ بِإِرَادَةِ إِعَابَةِ السَّفِينَةِ حَيْثُ كَانَ عَمَلًا ظَاهِرُهُ الْإِنْكَارُ وَحَقِيقَتُهُ الصَّلَاحُ زِيَادَةً فِي تَشْوِيقِ مُوسَى إِلَى عِلْمِ تَأْوِيلِهِ، لِأَنَّ كَوْنَ السَّفِينَةِ لِمَسَاكِينَ مِمَّا يَزِيدُ السَّامِعَ تَعَجُّبًا فِي الْإِقْدَامِ عَلَى خَرْقِهَا. وَالْمَعْنَى: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَقَدْ فَعَلْتُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ: فَعِبْتُهَا، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ وَقَعَ عَنْ قَصْدٍ وَتَأَمُّلٍ.
وَقَدْ تُطْلَقُ الْإِرَادَةُ عَلَى الْقَصْدِ أَيْضًا. وَفِي «اللِّسَانِ» عَزْوُ ذَلِكَ إِلَى سِيبَوَيْهِ.
وَتَصَرُّفُ الْخَضِرِ فِي أَمْرِ السَّفِينَةِ تَصَرُّفٌ بِرَعْيِ الْمُصْلِحَةِ الْخَاصَّةِ عَنْ إِذْنٍ مِنَ اللَّهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَصَالِحِ الضُّعَفَاءِ إِذْ كَانَ الْخَضِرُ عَالِمًا بِحَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute