الْمَلِكِ، أَوْ كَانَ اللَّهُ أَعْلَمَهُ بِوُجُودِهِ حِينَئِذٍ، فَتَصَرَّفُ الْخَضِرِ قَائِمٌ مَقَامَ تَصَرُّفِ الْمَرْءِ فِي مَالِهِ بِإِتْلَافِ بَعْضِهِ لِسَلَامَةِ الْبَاقِي، فَتَصَرُّفُهُ الظَّاهِرُ إِفْسَادٌ وَفِي الْوَاقِعِ إِصْلَاحٌ لِأَنَّهُ مِنِ ارْتِكَاب أخف الضررين. وَهَذَا أَمْرٌ خَفِيٌّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إِلَّا الْخَضِرُ، فَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ مُوسَى.
وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ فِي قَتْلِ الْغُلَامِ فَتَصَرُّفٌ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ جَارٍ عَلَى قَطْعِ فَسَادٍ خَاصٍّ عَلِمَهُ اللَّهُ وَأَعْلَمَ بِهِ الْخَضِرَ بِالْوَحْيِ، فَلَيْسَ مِنْ مَقَامِ التَّشْرِيعِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ مِنْ تَرْكِيبِ عَقْلِ الْغُلَامِ وَتَفْكِيرِهِ أَنَّهُ عَقْلٌ شَاذٌّ وَفِكْرٌ مُنْحَرِفٌ طُبِعَ عَلَيْهِ بِأَسْبَابٍ مُعْتَادَةٍ مِنِ انْحِرَافِ طَبْعٍ وَقُصُورِ إِدْرَاكٍ، وَذَلِكَ مِنْ آثَارٍ مُفْضِيَةٍ إِلَى تِلْكَ النَّفْسِيَّةِ وَصَاحِبِهَا فِي أَنَّهُ يَنْشَأُ طَاغِيًا كَافِرًا.
وَأَرَادَ اللَّهُ اللُّطْفَ بِأَبَوَيْهِ بِحِفْظِ إِيمَانِهِمَا وَسَلَامَةِ الْعَالَمِ مِنْ هَذَا الطَّاغِي لُطْفًا أَرَادَهُ اللَّهُ خَارِقًا لِلْعَادَةِ جَارِيًا عَلَى مُقْتَضَى سَبْقِ عِلْمِهِ، فَفِي هَذَا مَصْلَحَةٌ لِلدِّينِ بِحِفْظِ أَتْبَاعِهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَهُوَ مَصْلَحَةٌ خَاصَّةٌ فِيهَا حِفْظُ الدِّينِ، وَمَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَحُكْمِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ.
وَالزَّكَاةُ: الطَّهَارَةُ، مُرَاعَاةً لِقَوْلِ مُوسَى أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً.
وَالرُّحْمُ:- بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ-: نَظِيرُ الْكُثْرِ لِلْكَثْرَةِ.
وَالْخَشْيَةُ: تَوَقُّعُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يُتَدَارَكْ بِقَتْلِهِ.
وَضَمِيرَا الْجَمَاعَةِ فِي قَوْلِهِ فَخَشِينا وَقَوْلِهِ فَأَرَدْنا عَائِدَانِ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ الْوَاحِدِ
بِإِظْهَارِ أَنَّهُ مُشَارِكٌ لِغَيْرِهِ فِي الْفِعْلِ. وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ يَكُونُ مِنَ التَّوَاضُعِ لَا مِنَ التَّعَاظُمِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الْإِعْلَامِ بِأَنَّ اللَّهَ أَطْلَعَهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَرَهُ فَنَاسَبَهُ التَّوَاضُعُ فَقَالَ: فَخَشِينا فَأَرَدْنا، وَلَمْ يقل مثله عِنْد مَا قَالَ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها لِأَنَّ سَبَبَ الْإِعَابَةِ إِدْرَاكُهُ لِمَنْ لَهُ عِلْمٌ بِحَالِ تِلْكَ الْأَصْقَاعِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute