للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَرِدُونَ النَّارَ مَعَ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَنْجُونَ مِنْ عَذَابِهَا، لِأَنَّ هَذَا مَعنًى ثَقِيلٌ يَنْبُو عَنْهُ السِّيَاقُ، إِذْ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سِيَاقِ الْآيَاتِ

السَّابِقَةِ، وَلِأَنَّ فَضْلَ اللَّهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ وَتَشْرِيفَهُمْ بِالْمَنَازِلِ الرَّفِيعَةِ يُنَافِي أَنْ يَسُوقَهُمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مسَاقًا وَاحِدًا، كَيْفَ وَقَدْ صَدَّرَ الْكَلَام بقوله فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ [مَرْيَم: ٦٨] وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [مَرْيَم: ٨٥، ٨٦] ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اخْتِلَافِ حَشْرِ الْفَرِيقَيْنِ.

فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَا كَمَوْقِعِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ [الْحجر:

٤٣] عَقِبَ قَوْلِهِ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ [الْحجر: ٤٢] .

فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ جَهَنَّمَ مَوْعِدُ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلِصِينَ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ لِأَنَّهُ يَنْبُو عَنْهُ مَقَامُ الثَّنَاءِ.

وَهَذِهِ الْآيَةٌ مَثَارُ إِشْكَالٍ وَمَحَطُّ قِيلَ وَقَالَ وَاتَّفَقَ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُتَّقِينَ لَا تَنَالُهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ الْآيَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ ضَمِيرَ مِنْكُمْ لِجَمِيعِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْقُرْآنِ، وَرَوَوْهُ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فَصَدَمَهُمْ فَسَادُ الْمَعْنَى وَمُنَافَاةُ حِكْمَةِ اللَّهِ وَالْأَدِلّةِ الدَّالَةِ عَلَى سَلَامَةِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمئِذٍ مِنْ لِقَاءِ أَدْنَى عَذَابٍ، فَسَلَكُوا مَسَالِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ الْوُرُودَ بِالْمُرُورِ الْمُجَرَّدِ دُونَ أَنْ يَمَسَّ الْمُؤْمِنِينَ أَذَىً، وَهَذَا بُعْدٌ عَنِ الِاسْتِعْمَالِ، فَإِنَّ الْوُرُودَ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ حُصُولُ مَا هُوَ مُودَعٌ فِي الْمَوْرِدِ لِأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ وُرُودِ الْحَوْضِ. وَفِي آيِ الْقُرْآنِ مَا جَاءَ إِلَّا لِمَعْنَى الْمَصِيرِ إِلَى النَّارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوها [الْأَنْبِيَاء: ٩٨، ٩٩] وَقَوْلُهُ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود:

٩٨] وَقَوْلُهُ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [مَرْيَم: ٨٦] . عَلَى أَنَّ إِيرَادَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى النَّارِ لَا جَدْوَى لَهُ فَيَكُونُ عَبَثًا، وَلَا اعْتِدَادَ بِمَا ذَكَرَهُ لَهُ الْفَخْرُ مِمَّا سَمَّاهُ فَوَائِدَ.