وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ وُرُودَ جَهَنَّمَ بِمُرُورِ الصِّرَاطِ، وَهُوَ جِسْرٌ عَلَى جَهَنَّمَ، فَسَاقُوا الْأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مُرُورِ النَّاسِ عَلَى الصِّرَاطِ مُتَفَاوِتِينَ فِي سُرْعَةِ الِاجْتِيَازِ. وَهَذَا أَقَلُ بُعْدًا مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ وَابْنُ كَثِيرٍ فِي هَذَيْنِ الْمَحْمَلَيْنِ أَحَادِيثَ لَا تَخْرُجُ عَنْ مَرْتَبَةِ الضَّعْفِ مِمَّا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي «نَوَادِرِ الْأُصُولِ» . وَأَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ مَا
رَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ قَالَ: «يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ»
الْحَدِيثَ فِي مُرُورِ الصِّرَاطِ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَفَّقَ تَعْضِيدًا لِذَلِكَ
بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّهُ «لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَلِجُ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ»
فَتَأَوَّلَ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ بِأَنَّهَا مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ
تَعَالَى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها وَهَذَا مَحَمَلٌ بَاطِلٌ، إِذْ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَسَمٌ يَتَحَلَّلُ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ مَنِ اسْتَحَقَّ عَذَابًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَجْلِ مَعَاصٍ فَإِذَا كَانَ قَدْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ كَانُوا كَفَّارَةً لَهُ فَلَا يَلِجُ النَّارَ إِلَّا وُلُوجًا قَلِيلًا يُشْبِهُ مَا يُفْعَلُ لِأَجَلِ تَحِلَّةِ الْقَسْمِ، أَيِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمُقْسِمَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا صَعُبَ عَلَيْهِ بِرُّ قَسَمِهِ أَخَذَ بِأَقَلِّ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ،
فَقَوْلُهُ «تَحِلَّةَ الْقَسَمِ»
تَمْثِيلٌ.
وَيُرْوَى عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ رِوَايَاتٌ أَنَّهُمْ تَخَوَّفُوا مِنْ ظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، مِنْ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ مِنَ الْوُقُوفِ فِي مَوْقِفِ الَخَوْفِ مِنْ شَيْءٍ مُحْتَمَلٍ.
وَذَكَرَ فِعْلَ نَذَرُ هُنَا دُونَ غَيْرِهِ لِلْإِشْعَارِ بِالتَّحْقِيرِ، أَيْ نَتْرُكُهُمْ فِي النَّارِ لَا نَعْبَأُ بِهِمْ، لِأَنَّ فِي فِعْلِ التَّرْكِ مَعْنَى الْإِهْمَالِ.
وَالْحَتْمُ: أَصْلُهُ مَصْدَرُ حَتَمَهُ إِذْ جَعَلَهُ لَازِمًا، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَيْ مَحْتُومًا عَلَى الْكَافِرِينَ، وَالْمَقْضِيُّ: الْمَحْكُومُ بِهِ. وَجُثِيُّ تَقَدَّمَ.