للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْقَوْلِ فَمَوْقِعُ قَوْلِهِ: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ مَوْقِعُ الِاعْتِرَاضِ بَيْنَ جُمْلَةِ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى وَجُمْلَةُ اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ. فَصِيغَ النَّظْمُ فِي قَالَبِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ زِيَادَةً فِي تَحْقِيقِ حُصُولِهِ عَلَى طَرِيقَةِ مَا يُسَمَّى بِالْمَذْهَبِ الْكَلَامِيِّ، وَهُوَ سَوْقُ الْخَبَرِ فِي صِيغَةِ الدَّلِيلِ عَلَى وُقُوعِهِ تَحْقِيقًا لَهُ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى مِنَ السِّرِّ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا الْقَائِلُ بِالْقَوْلِ لِإِسْمَاعِ مُخَاطِبَهُ، أَيْ فَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْجَهْرِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى. وَهَذَا أُسْلُوبٌ مُتَّبَعٌ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ بِأَسَالِيبَ كَثِيرَةٍ. وَذَلِكَ فِي كُلِّ شَرْطٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّعْلِيقُ بَلْ يُقْصَدُ التَّحْقِيقُ كَقَوْلِ أَبِي كَبِيرٍ الْهُذَيْلِيِّ:

فَأَتَتْ بِهِ حُوشَ الْفُؤَادِ مُبَطَّنًا ... سُهُدًا إِذَا مَا نَامَ لَيْلُ الْهَوْجَلِ

أَيْ سُهُدًا فِي كُلِّ وَقْتٍ حِينَ يَنَامُ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ هَوْجَلُ. وَقَوْلِ بَشَامَةُ بْنُ حَزْنٍ النَّهْشَلَيُّ:

إِذَا الْكُمَاةُ تَنَحَّوْا أَنْ يُصِيبَهُمُ ... حَدُّ الظُّبَاتِ وَصَلْنَاهَا بِأَيْدِينَا

وَقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كُنَيْفٍ النَّبْهَانِيِّ:

فَإِنْ تَكُنِ الْأَيَّامُ جَالَتْ صُرُوفُهَا ... بِبُؤْسَى وَنُعْمَى وَالْحَوَادِثُ تَفْعَلُ

فَمَا لَيَّنَتْ مِنَّا قَنَاةً صَلِيبَةً ... وَمَا ذَلَّلَتْنَا لِلَّتِي لَيْسَ تَجْمُلُ

وَقَوْلِ الْقَطَامِيِّ:

فَمَنْ تَكُنِ الْحَضَارَةُ أَعْجَبَتْهُ ... فَأَيَّ رِجَالِ بَادِيَةٍ تَرَانَا

فَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ تَجْهَرْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعُمُّ غَيْرَهُ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لِيَعُمَّ كُلَّ مُخَاطَبٍ.