وَوَجْهُ تَقْدِيمِ هَارُونَ هُنَا الرِّعَايَةُ عَلَى الْفَاصِلَةِ، فَالتَّقْدِيمُ وَقَعَ فِي الْحِكَايَةِ لَا فِي الْمَحْكِيِّ، إِذْ وَقَعَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ [الشُّعَرَاء: ٤٧، ٤٨] . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيمُ هَارُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ حِكَايَةِ قَوْلِ السَّحَرَةِ، فَيَكُونُ صَدَرَ مِنْهُمْ قَوْلَانِ، قَدَّمُوا فِي أَحَدِهِمَا اسْمَ هَارُونَ اعْتِبَارًا بِكِبَرِ سِنِّهِ، وَقَدَّمُوا اسْمَ مُوسَى فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ اعْتِبَارًا بِفَضْلِهِ عَلَى هَارُونَ بِالرِّسَالَةِ وَكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَاخْتِلَافُ الْعِبَارَتَيْنِ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَيْنِ.
وَيُقَالُ: آمَنَ لَهُ، أَيْ حَصَلَ عِنْدَهُ الْإِيمَانُ لِأَجْلِهِ. كَمَا يُقَالُ: آمَنَ بِهِ، أَيْ حَصَلَ الْإِيمَانُ عِنْدَهُ بِسَبَبِهِ. وَأَصْلُ الْفِعْلِ أَنْ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ لِأَنَّ آمَنَهُ بِمَعْنَى صَدَّقَهُ، وَلَكِنَّهُ كَادَ أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ فِي مَعْنَى التَّصْدِيقِ إِلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ.
وَقَرَأَ قَالُونُ وَوَرْشٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَزَرْقِ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وأَبُو جَعْفَرٍ، وَرَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ آمَنْتُمْ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَهَا مَدَّةٌ وَهِيَ الْمَدَّةُ النَّاشِئَةُ عَنْ تَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ الْأَصْلِيَّةِ فِي فِعْلِ آمَنَ، عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ اسْتِفْهَامٌ.
وقرأه ورش من طَرِيقِ الْأَصْفَهَانِيِّ، وَابْنِ كَثِيرٍ، وَحَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَرُوَيْسٍ عَنْ يَعْقُوبَ- بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ خَبَرٌ، فَهُوَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّوْبِيخِ.
وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَخَلَفٌ- بِهَمْزَتَيْنِ- عَلَى الِاسْتِفْهَامِ أَيْضًا.
وَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ إِيمَانَ السَّحَرَةِ تَغَيَّظَ وَرَامَ عِقَابَهُمْ وَلَكِنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الْعِقَابَ عَلَى الْإِيمَانِ بِمُوسَى بَعْدَ أَنْ فَتَحَ بَابَ الْمُنَاظَرَةِ مَعَهُ نَكْثٌ لِأُصُولِ الْمُنَاظَرَةِ فَاخْتَلَقَ لِلتَّشَفِّي مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا عِلَّةَ إِعْلَانِهِمُ الْإِيمَانَ قَبْلَ اسْتِئْذَانِ فِرْعَوْنَ، فَعَدَّ ذَلِكَ جرْأَةً عَلَيْهِ، وَأَوْهَمَ أَنَّهُمْ لَوِ اسْتَأْذَنُوهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute