لَأَذِنَ لَهُمْ، وَاسْتَخْلَصَ مِنْ تَسَرُّعِهِمْ بذلك أَنهم تواطؤوا مَعَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ فَأَظْهَرُوا الْعَجْزَ عِنْدَ مُنَاظَرَتِهِ. وَمَقْصِدُ فِرْعَوْنَ مِنْ هَذَا إِقْنَاعُ الْحَاضِرِينَ بِأَنَّ مُوسَى لَمْ يَأْتِ بِمَا يُعْجِزُ السَّحَرَةُ إِدْخَالًا لِلشَّكِّ عَلَى نُفُوسِ الَّذِينَ شَاهَدُوا الْآيَاتِ. وَهَذِهِ شِنْشِنَةٌ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ اخْتِلَاقُ الْمَغْلُوبِ بَارِد الْعُذْرِ. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اتِّهَامُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِمُ الْحَاكِمِينَ بِالِارْتِشَاءِ، وَاتِّهَامُ الدُّوَلِ الْمَغْلُوبَةِ فِي الْحُرُوبِ قُوَّادَ الْجُيُوشِ بِالْخِيَانَةِ.
وَضَمِيرُ لَهُ عَائِدٌ إِلَى مُوسَى مِثْلُ ضَمِيرِ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ.
وَمَعْنَى قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ قَبْلَ أَنْ أُسَوِّغَ لَكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ. يُقَالُ: أذن لَهُ، إِذْ أَبَاحَ لَهُ شَيْئًا.
وَالتَّقْطِيعُ: شِدَّةُ الْقَطْعِ. وَمَرْجِعُ الْمُبَالَغَةِ إِلَى الْكَيْفِيَّةِ، وَهِيَ مَا وَصَفَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ خِلافٍ أَيْ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْ لَا تُقْطَعُ عَلَى جَانِبٍ وَاحِدٍ بَلْ مِنْ جَانِبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَيْ تَقْطَعُ الْيَدُ ثُمَّ الرِّجْلُ مِنَ الْجِهَةِ الْمُخَالِفَةِ لِجِهَةِ الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ ثُمَّ الْيَدُ الْأُخْرَى ثُمَّ الرِّجْلُ الْأُخْرَى. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ كَانَ شِعَارًا لِقَطْعِ الْمُجْرِمِينَ، فَيَكُونُ ذِكْرُ هَذِهِ الصِّفَةِ حِكَايَةً لِلْوَاقِعِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ قَطْعٍ بِشَكْلٍ آخَرَ، إِذْ لَا أَثَرَ لِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي تَفْظِيعٍ وَلَا فِي شِدَّةِ إِيلَامٍ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَقَعُ مُتَتَابِعًا.
وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْإِسْلَامِ فِي عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِ فَإِنَّمَا هُوَ قَطْعُ عُضْوٍ وَاحِدٍ عِنْدَ كُلِّ حِرَابَةٍ فَهُوَ مِنَ الرَّحْمَةِ فِي الْعُقُوبَةِ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ انْتِفَاعُ الْمَقْطُوعِ بِبَاقِي أَعْضَائِهِ مِنْ جَرَّاءِ قَطْعِ يَدٍ ثُمَّ رِجْلٍ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ قَطْعِ يَدٍ بَعْدَ يَدٍ وَبَقَاءِ الرِّجْلَيْنِ.
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنْ خِلافٍ لِلِابْتِدَاءِ، أَيْ يَبْدَأُ الْقَطْعُ مِنْ مَبْدَأِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْمَقْطُوعِ. وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَفِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute