وَصَنَعَ لَهُمُ السَّامِرِيُّ صَنَمًا عَلَى صُورَةِ عِجْلٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدِ اعْتَادُوا فِي مِصْرَ عِبَادَةَ الْعِجْلِ «إِيبِيسَ» ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا صَاغَهُ السَّامِرِيُّ فِي صُورَةِ مَعْبُودٍ عَرَفُوهُ مِنْ قَبْلُ وَرَأَوْهُ يَزِيدُ عَلَيْهِ بِأَنَّ لَهُ خُوَارًا، رَسَخَ فِي أَوْهَامِهِمُ الْآفِنَةِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْإِلَهُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي عَبَّرُوا عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى، لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَتَوَهَّمُوا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْعِجْلِ (إِيبِيسَ) . وَإِذْ قَدْ كَانُوا يُثْبِتُونَ إِلَهًا مَحْجُوبًا عَنِ الْأَبْصَارِ وَكَانُوا يَتَطَلَّبُونَ رُؤْيَتَهُ، فَقَالُوا لِمُوسَى: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النِّسَاء: ١٥٣] ، حِينَئِذٍ تَوَهَّمُوا أَنَّ هَذِهِ ضَالَّتُهُمُ الْمَنْشُودَةُ.
وَقِصَّةُ اتِّخَاذِهِمُ الْعِجْلَ فِي كِتَابِ التَّوْرَاةِ غَيْرُ مُلَائِمَةٍ لِلنَّظَرِ السَّلِيمِ.
وَتَفْرِيعُ فَنَسِيَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى فَقالُوا هَذَا إِلهُكُمْ تَفْرِيعَ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ، فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى السَّامِرِيِّ، أَيْ قَالَ السَّامِرِيُّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَسِيَ مَا كَانَ تَلَقَّاهُ مِنْ هَدْيٍ أَوْ تَفْرِيعَ مَعْلُولٍ عَلَى عِلَّةٍ، أَيْ قَالَ ذَلِكَ، فَكَانَ قَوْلُهُ سَبَبًا فِي نِسْيَانِهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ هَدْيٍ إِذْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ فَحَرَمَهُ التَّوْفِيقَ مِنْ بَعْدُ.
وَالنِّسْيَانُ: مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِضَاعَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها [طه: ١٢٦] وَقَوْلِهِ: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ [الماعون: ٥] .
وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ فَنَسِيَ مِنَ الْحِكَايَةِ لَا مِنَ الْمَحْكِيِّ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى السَّامِرِيِّ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَتَّصِلَ بِقَوْلِهِ أَفَلا يَرَوْنَ [طه: ٨٩] وَيَكُونَ اعْتِرَاضًا. وَجَعَلَهُ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَائِدًا إِلَى مُوسَى، أَيْ فَنَسِيَ مُوسَى إِلَهَكُمْ وَإِلَهَهُ، أَيْ غَفَلَ عَنْهُ، وَذَهَبَ إِلَى الطُّورِ يُفَتِّشُ عَلَيْهِ وَهُوَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، وَمَوْقِعُ فَاءِ التَّفْرِيعِ يُبْعِدُ هَذَا التَّفْسِيرَ.
وَالنِّسْيَانُ: يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا مَجَازًا فِي الْغَفْلَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute