للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَمَامِ الْمَعْذِرَةِ الَّتِي اعْتَذَرَ بِهَا الْمُجِيبُونَ لِمُوسَى، وَيَكُونُ ضَمِيرُ فَأَخْرَجَ لَهُمْ الْتِفَاتًا قَصَدَ الْقَائِلُونَ بِهِ التَّبَرِّي مِنْ أَنْ يَكُونَ إِخْرَاجُ الْعِجْلِ لِأَجْلِهِمْ، أَيْ أَخْرَجَهُ لِمَنْ رَغِبُوا فِي ذَلِكَ.

وَجَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي مُسْلِمٍ،

فَيَكُونُ اعْتِرَاضًا وَإِخْبَارًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْأُمَّةِ. وموقع الْفَاء يناكد هَذَا لِأَنَّ الْفَاءَ لَا تَرِدُ لِلِاسْتِئْنَافِ عَلَى التَّحْقِيقِ، فَتَكُونُ الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ تَفْرِيعَ أَخْبَارٍ عَلَى أَخْبَارٍ.

وَالْمَعْنَى: فَمِثْلُ ذَلِكَ الْقَذْفِ الَّذِي قَذَفْنَا مَا بِأَيْدِينَا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ أَلْقَى السَّامِرِيُّ مَا بِيَدِهِ مِنَ النَّارِ لِيَذُوبَ وَيَصُوغَهَا فَأَخْرَجَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ عِجْلًا جَسَدًا. فَإِنَّ فِعْلَ (أَلْقَى) يَحْكِي حَالَةً مُشَبَّهَةً بِحَالَةِ قَذْفِهِمْ مَصُوغَ الْقِبْطِ. وَالْقَذْفُ وَالْإِلْقَاءُ مُتَرَادِفَانِ، شُبِّهَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ.

وَالْجَسَدُ: الْجِسْمُ ذُو الْأَعْضَاءِ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً [ص: ٣٤] . قِيلَ: هُوَ شِقُّ طِفْلٍ وَلَّدَتْهُ إِحْدَى نِسَائِهِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ.

قَالَ الزَّجَاجُ: الْجَسَدُ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلَا يُمَيِّزُ إِنَّمَا هُوَ الْجُثَّةُ، أَيْ أَخْرَجَ لَهُمْ صُورَةَ عِجْلٍ مُجَسَّدَةً بِشَكْلِهِ وَقَوَائِمِهِ وَجَوَانِبِهِ، وَلَيْسَ مُجَرَّدَ صُورَةٍ مَنْقُوشَةٍ عَلَى طَبَقٍ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ. وَفِي سِفْرِ الْخُرُوجِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ.

وَالْإِخْرَاجُ: إِظْهَارُ مَا كَانَ مَحْجُوبًا. وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِخْرَاجِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ صَنَعَهُ بِحِيلَةٍ مَسْتُورَةٍ عَنْهُمْ حَتَّى أَتَمَّهُ.

وَالْخُوَارُ: صَوْتُ الْبَقَرِ. وَكَانَ الَّذِي صَنَعَ لَهُمُ الْعِجْلَ عَارِفًا بِصِنَاعَةِ الْحِيَلِ الَّتِي كَانُوا يَصْنَعُونَ بِهَا الْأَصْنَامَ وَيَجْعَلُونَ فِي أَجْوَافِهَا وَأَعْنَاقِهَا مَنَافِذَ كَالزَّمَّارَاتِ تَخْرُجُ مِنْهَا أَصْوَاتٌ إِذَا أُطْلِقَتْ عِنْدَهَا رِيَاحٌ بِالْكِيرِ وَنَحْوِهِ.