فَانْتَصَبَ لِزاماً عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ (كَانَ) ، وَاسْمُهَا ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إِلَى الْإِهْلَاكِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ كَمْ أَهْلَكْنا [١٢٨] ، أَيْ لَكَانَ الْإِهْلَاكُ الَّذِي أُهْلِكَ مِثْلُهُ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُون، وَهُوَ الاستيصال، لَازِمًا لَهُمْ.
وَأَجَلٌ مُسَمًّى عَطْفٌ عَلَى كَلِمَةٌ وَالتَّقْدِيرُ: وَلَوْلَا كَلِمَةٌ وَأَجَلٌ مُسَمًّى يَقَعُ عِنْدَهُ الْهَلَاكُ لَكَانَ إِهْلَاكُهُمْ لِزَامًا. وَالْمُرَادُ بِالْأَجَلِ: مَا سَيُكْشَفُ لَهُمْ مِنْ حُلُولِ الْعَذَابِ: إِمَّا فِي الدُّنْيَا بِأَنْ حَلَّ بِرِجَالٍ مِنْهُم وَهُوَ عَذَابُ الْبَطْشَةِ الْكُبْرَى يَوْمَ بَدْرٍ وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ مَا سَيَحِلُّ بِمَنْ مَاتُوا كُفَّارًا مِنْهُمْ. وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً [الْفرْقَان: ٧٧] .
وَيَظْهَرُ أَنَّهُ شَاعَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ تَأْوِيلُ اسْمِ اللِّزَامِ أَنَّهُ عَذَابٌ تَوَعَّدَ اللَّهُ بِهِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ. وَقِيلَ: هُوَ عَذَابُ يَوْمَ بَدْرٍ. فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً» . يُرِيدُ بِذَلِكَ إِبْطَالَ أَنْ يَكُونَ اللِّزَامُ مُتَرَقَّبًا فِي آخِرِ الدُّنْيَا. وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُحْوِجُ إِلَى تَأْوِيلِ اللِّزَامِ بِهَذَا كَمَا عَلِمْتَ.
وَفُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَقُولُونَ مِنَ التَّكْذِيبِ وَبِالْوَعِيدِ لِتَأْخِيرِ نُزُولِهِ بِهِمْ. وَالْمَعْنَى: فَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمُ الْعَذَابَ وَاصْبِرْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ وَنَحْوُهُ الشَّامِلُ لَهُ الْمَوْصُولُ فِي قَوْلِهِ مَا يَقُولُونَ.
وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُقْبِلَ عَلَى مُزَاوَلَةِ تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ وَتَزْكِيَةِ أَهْلِهِ بِالصَّلَاةِ، والإعراض عَمَّا متع اللَّهُ الْكُفَّارَ بِرَفَاهِيَةِ الْعَيْشِ، وَوَعَدَهُ بِأَنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
فَالتَّسْبِيحُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الصَّلَاةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَسْبِيحِ اللَّهِ وَتَنْزِيهِهِ.
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِحَمْدِ رَبِّكَ لِلْمُلَابَسَةِ، وَهِيَ مُلَابَسَةُ الْفَاعِلِ لِفِعْلِهِ، أَيْ سَبِّحْ حَامِدًا رَبَّكَ، فَمَوْقِعُ الْمَجْرُورِ مَوْقِعُ الْحَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute