كَائِنٌ فَإِنْ كَانَ حُدُوثُهُ بِإِرَادَةِ مُتَعَدِّدِينَ لَزِمَ اجْتِمَاعُ مُؤَثِّرَيْنِ عَلَى مُؤَثِّرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ عِلَّتَيْنِ تَامَّتَيْنِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ. فَلَا جَرَمَ أَنَّ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ يَسْتَلْزِمُ اخْتِلَافَ مُتَعَلِّقَاتِ تَصَرُّفَاتِهَا اخْتِلَافًا بِالْأَنْوَاعِ، أَوْ بِالْأَحْوَالِ، أَوْ بِالْبِقَاعِ، فَالْإِلَهُ الَّذِي لَا تَنْفُذُ إِرَادَتُهُ فِي بَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ لَيْسَ بِإِلَهٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي أَوْجَدَهَا غَيْرُهُ.
وَلَا جَرَمَ أَنْ تَخْتَلِفَ مُتَعَلِّقَاتُ إِرَادَاتِ الْآلِهَةِ بِاخْتِلَافِ مَصَالِحِ رَعَايَاهُمْ أَوْ مَوَاطِنِهِمْ أَوْ أَحْوَالُ تَصَرُّفَاتِهِمْ فَكَلٌّ يَغَارُ عَلَى مَا فِي سُلْطَانِهِ.
فَثَبَتَ أَنَّ التَّعَدُّدَ يَسْتَلْزِمُ اخْتِلَافَ الْإِرَادَاتِ وَحُدُوثَ الْخِلَافِ.
وَلَمَّا كَانَ التَّمَاثُلُ فِي حَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ يَقْتَضِي التَّسَاوِيَ فِي قُوَّةِ قُدْرَةِ كُلِّ إِلَهٍ مِنْهُمْ، وَكَانَ مُقْتَضِيًا تَمَامَ الْمَقْدِرَةِ عِنْدَ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِالْقَهْرِ لِلضِّدِّ بِأَنْ لَا يَصُدَّهُ شَيْءٌ عَنِ اسْتِئْصَالِ ضِدِّهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ بِغَزْوِ ضِدِّهِ وَإِفْسَادِ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، تَعَيَّنَ أَنَّهُ كُلَّمَا تَوَجَّهَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَى غَزْوِ ضِدِّهِ أَنْ يُهْلِكَ كُلَّ مَا هُوَ تَحْتَ سُلْطَانِهِ فَلَا يَزَالُ يَفْسُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عِنْدَ كُلِّ خِلَافٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ [٩١] .
فَلَا جَرَمَ دَلَّتْ مُشَاهَدَةُ دَوَامِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض على انتظامهما فِي مُتَعَدِّدِ الْعُصُورِ وَالْأَحْوَالِ عَلَى أَنَّ إِلَهَهَا وَاحِدٌ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ.
فَأَمَّا لَوْ فُرِضَ التَّفَاوُت فِي حَقِيقَة الْإِلَهِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي رُجْحَانَ بَعْضِ الْآلِهَةِ عَلَى
بَعْضٍ، وَهُوَ أَدْخَلُ فِي اقْتِضَاءِ الْفَسَادِ إِذْ تَصِيرُ الْغَلَبَةُ لِلْأَقْوَى مِنْهُمْ فَيَجْعَلُ الْكل تَحت كلا كُله وَيُفْسِدُ عَلَى كُلِّ ضَعِيفٍ مِنْهُمْ مَا هُوَ فِي حَوْزَتِهِ فَيَكُونُ الْفَسَادُ أَسْرَعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute