للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ- بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَسُوقًا لِإِبْطَالِ تَعَدُّدٍ خَاصٍّ، وَهُوَ التَّعَدُّدُ الَّذِي اعْتَقَدَهُ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْيُونَانِ الزَّاعِمِينَ تَعَدُّدَ الْآلِهَةِ بِتَعَدُّدِ الْقَبَائِلِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، وَكَذَا مَا اعْتَقَدَهُ الْمَانَوِيَّةُ مِنَ الْفُرْسِ الْمُثْبِتِينَ إِلَهَيْنِ أَحَدِهِمَا لِلْخَيْرِ وَالْآخِرِ لِلشَّرِّ أَوْ أَحَدِهِمَا لِلنُّورِ وَالْآخِرِ لِلظُّلْمَةِ- هُوَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ.

وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا نَحَاهُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِبْطَالِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ مِنْ أَصْلِهِ بِالنِّسْبَةِ لِإِيجَادِ الْعَالَمِ وَسَمُّوهُ بُرْهَانَ التَّمَانُعِ، فَهُوَ دَلِيلٌ إِقْنَاعِيٌّ كَمَا قَالَ سعد الدَّين التفتازانيّ فِي «شَرْحِ النَّسَفِيَّةِ» . وَقَالَ فِي «الْمَقَاصِدِ» : «وَفِي بَعْضِهَا ضَعْفٌ لَا يَخْفَى» .

وَبَيَانُهُ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى إِيجَادِ الْعَالَمِ يُمْكِنُ صُدُورُهُ مِنَ الْحَكِيمَيْنِ أَوِ الْحُكَمَاءِ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ إِلَّا بِقِيَاسِ الْآلِهَةِ عَلَى الْمُلُوكِ فِي الْعُرْفِ وَهُوَ قِيَاسٌ إِقْنَاعِيٌّ.

وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بُرْهَانَ التَّمَانُعِ أَنَّ جَانِبَ الدَّلَالَةِ فِيهِ عَلَى اسْتِحَالَةِ تَعَدُّدِ الْإِلَهِ هُوَ فَرْضُ أَنْ يَتَمَانَعَ الْآلِهَةُ، أَيْ يَمْنَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ تَنْفِيذِ مُرَادِهِ، وَالْخَوْضُ فِيهِ مَقَامُنَا غَنِيٌّ عَنْهُ.

وَالْمَنْظُورُ إِلَيْهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ هُنَا هُوَ لُزُومُ فَسَادِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَى شَيْءٍ آخَرَ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ خَارِجَةٍ عَنْ لَفْظِ الْآيَةِ حَتَّى يَصِيرَ الدَّلِيلُ بِهَا دَلِيلًا قَطْعِيًّا لِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ أَدِلَّةٌ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ، وَسَيَجِيءُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ [٩١] .

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِبُرْهَانِ التَّمَانُعِ فَلِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي تَقْرِيرِهِ طَرِيقَتَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ «الْمَوَاقِفِ» .

الْأُولَى: طَرِيقَةُ الِاسْتِدْلَالِ بِلُزُومِ التَّمَانُعِ بِالْفِعْلِ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ. وَتَقْرِيرُهَا:

أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ مُتَمَاثِلَانِ فِي الْقُدْرَةِ،