فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ تَتَّفِقَ إرادتاهما وَحِينَئِذٍ فالفعل إِنْ كَانَ بِإِرَادَتَيْهِمَا لَزِمَ اجْتِمَاعُ مُؤَثِّرَيْنِ تَامَّيْنِ عَلَى مُؤَثَّرٍ- بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ- وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ الْعِلَّتَيْنِ التَّامَّتَيْنِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ بِإِحْدَى الْإِرَادَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى لَزِمَ تَرْجِيحُ إِحْدَاهُمَا بِلَا مُرَجِّحٍ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَخْتَلِفَ إِرَادَتَاهُمَا فَيَلْزَمُ التَّمَانُعُ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَمْنَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ مِنَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الْقُدْرَةِ.
وَيَرُدُّ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَاتِهِ الطَّرِيقَةِ أُمُورٌ:
أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَسَاوِي الْإِلَهَيْنِ فِي الْقُدْرَةِ بَلْ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى قُدْرَةً مِنَ الْآخَرِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعَجْزَ مُطْلَقًا مُنَافٍ لِلْأُلُوهِيَّةِ بَدَاهَةً. قَالَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي «حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ» .
الْأَمْرُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ الْإِلَهَانِ عَلَى أَنْ لَا يُرِيدَ أَحَدُهُمَا إِلَّا الْأَمْرَ الَّذِي لَمْ يُرِدْهُ الْآخَرُ فَلَا يَلْزَمُ عَجْزُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ.
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ الْإِلَهَانِ عَلَى إِيجَادِ الْأَمْرِ الْمُرَادِ بِالِاشْتِرَاكِ لَا بِالِاسْتِقْلَالِ.
الْأَمْرُ الرَّابِعُ: يَجُوزُ تَفْوِيضُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ أَنْ يَفْعَلَ فَلَا يَلْزَمُ عَجْزُ الْمُفَوِّضِ لِأَنَّ عَدَمَ إِيجَادِ الْمَقْدُورِ لِمَانِعٍ أَرَادَهُ الْقَادِرُ لَا يُسَمَّى عَجْزًا، لَا سِيَّمَا وَقَدْ حَصَلَ مُرَادُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بِنَفْسِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ أَنَّ فِي جَمِيعِهَا نَقْصًا فِي الْأُلُوهِيَّةِ لِأَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ مِنْ شَأْنِهَا الْكَمَالُ فِي كُلِّ حَالٍ.
إِلَّا أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَخْرِجُ الْبُرْهَانَ عَنْ حَدِّ الْإِقْنَاعِ.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: عول عَلَيْهَا التفتازانيّ فِي «شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ» وَهِيَ أَنَّ تَعَدُّدَ الْإِلَهَيْنِ يَسْتَلْزِمُ إِمْكَانَ حُصُولِ التَّمَانُعِ بَيْنَهُمَا، أَيْ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدُهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute