للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ يَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيًّا عَنْ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ اسْتِمَاعِ الْآيَاتِ الَّتِي وَصَفَتْ بَدْءَ الْخَلْقِ وَمَشُوبًا بِالْإِنْكَارِ عَلَى ذَلِكَ.

وَعَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ فَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْشَأَهُمَا بَعْدَ الْعَدَمِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ بَعْدَ انْعِدَامِهِ قَالَ تَعَالَى:

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ [الْإِسْرَاء:

٩٩] .

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالرَّتْقِ الْعَدَمُ وَبِالْفَتْقِ الْإِيجَادُ. وَإِطْلَاقُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعِلْمِ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ ظَاهِرٌ لِأَن الرتق والفتق بِهَذَا الْمَعْنَى مُحَقَّقٌ أَمْرُهُمَا عِنْدَهُمْ قَالَ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لُقْمَان: ٢٥] .

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالرَّتْقِ الظُّلْمَةُ وَبِالْفَتْقِ النُّورُ، فَالْمَوْجُودَاتُ وُجِدَتْ فِي ظُلْمَةٍ ثُمَّ أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْهَا النُّورَ بِأَنْ أَوْجَدَ فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ نُورًا أَضَاءَ الْمَوْجُودَاتِ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالرَّتْقِ اتِّحَادُ الْمَوْجُودَاتِ حِينَ كَانَتْ مَادَّةً وَاحِدَةً أَوْ كَانَتْ أَثِيرًا أَوْ عَمَاءَ كَمَا

جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «كَانَ فِي عَمَاءَ»

، فَكَانَتْ جِنْسًا عَالِيًا مُتَّحِدًا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَخْلُوقٍ، وَهُوَ حِينَئِذٍ كُلِّيٌّ انْحَصَرَ فِي فَرْدٍ. ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَبْعَاضًا وَجَعَلَ لِكُلِّ بَعْضٍ مُمَيِّزَاتٍ ذَاتِيَّةً فَصَيَّرَ كُلَّ مُتَمَيِّزٍ بِحَقِيقَةٍ جِنْسًا فَصَارَتْ أَجْنَاسًا. ثُمَّ خَلَقَ فِي الْأَجْنَاسِ مُمَيِّزَاتٍ بِالْعَوَارِضِ لِحَقَائِقِهَا فَصَارَتْ أَنْوَاعًا. وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَسْعَدُ بِطَرِيقَةِ الْحُكَمَاءِ وَقَدِ اصْطَلَحُوا عَلَى تَسْمِيَةِ هَذَا التَّمْيِيزِ بِالرَّتْقِ وَالْفَتْقِ، وَبَعْضٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ وَهُوَ صَاحِبُ «مِرْآةِ الْعَارِفِينَ» جَعَلَ الرَّتْقَ عَلَمًا عَلَى الْعُنْصُرِ الْأَعْظَمِ يَعْنِي الْجِسْمَ الْكُلَّ، وَالْجِسْمُ الْكُلُّ هُوَ الْفَلَكُ الْأَعْظَمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعَرْشِ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَكِيمُ الصُّوفِيُّ لُطْفُ اللَّهِ الْأَرْضَرُومِيُّ صَاحِبُ «مَعَارِجِ النُّورِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ